جديد 4E

هل ولّى زمن التلفزيون..؟!

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

ربما يستغرب البعض هذا السؤال ولا سيما أن المحطات والقنوات الفضائية ما تزال في أوج نشاطها وحضورها وتقديم كل ما تستطيعه من برامج منوعة لكسب المشاهدين وتمرير رسائلها الإعلامية وسياساتها المختلفة، وثمة محاولات مستمرة لتطوير البث بتقنيات مختلفة كتقنية ال (3D) وغيرها وصناعة شاشات متطورة لتقديم أفضل صورة وصوت ومؤثرات.. لكن هذا السؤال خطر في بالي كثيرا في الأيام الماضية، بعد أن نسيت أنا وعائلتي إن كان هذا الجهاز العتيد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في حقبة سابقة – وما يزال – موجود في بيتنا، فالكهرباء المقطوعة طوال الوقت  – تقريبا – لا تسمح لنا بتشغيله لدقائق قليلة حتى نتعرف على حالة الطقس غير المستقرة ونطمئن إلى جولات المسؤولين التي لا تنتهي ونستمع  إلى تحليلات المحللين السياسيين وإبداعاتهم واختراعات المنجمين والمتنبئين وخزعبلاتهم، فما أن نهم بتشغيله مع كل ومضة كهرباء حتى يعود إلى سباته المزمن، بحيث وصلنا معه إلى درجة القطيعة والجفاء وبات من المنسيات مثله مثل بقية الأدوات التي تعمل بواسطة الكهرباء والمازوت والغاز..!

لكن بالمناسبة، وبعيدا عن انقطاعات الكهرباء المتكررة والطويلة والتي جعلت من التلفزيون مجرد خردة زائدة في البيت، فإن هذا السؤال يطرح بشدة هذه الأيام على ألسنة الكثير من الناس العاديين والمختصين، فالتطور المذهل في وسائل الاتصال وتعدد مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي لا تتوقف لحظة واحدة عن تقديم كل ما هو جديد لديها، وتذكيرنا بكل ما هو قديم مؤرشف، تتكفل بتزويدنا كل ما نحتاجه وما لا نحتاجه، فكل ما يريده المتلقي وما لا يريده من أخبار وبرامج ومسلسلات وأفلام وكتب وطبخات ووصفات طبية وعلاجات باتت متاحة أمامه بغض النظر عن المكان الذي يكون فيه، فلم يعد البيت أو المكتب أو المقهى المزود بشاشة عرض أو تلفزيون شرطاً لازما للمتلقي لمتابعة هذه القضايا، بل يكفي أن يمتلك المرء جوالا ذكياً،  ومن خلال التطبيقات الموجودة عليه – وهي كثيرة – بإمكانه متابعة ومشاهدة كل ما تعرضه القنوات والمحطات الفضائية من برامج ومسلسلات ومباريات وأفلام.. إلخ، إلى درجة أن الكثيرين قد أقلعوا عن عادة ارتياد السينما وثمة من لم يعد يعنيه الذهاب إلى ملعب كرة قدم لمتابعة الدوريات المشهورة، فكل شيء مباح ومتاح، ولعل ما يشغل بال الكثيرين ويؤرقهم اليوم هو كثرة الخيارات وتنوعها وعدم القدرة على اختيار الأفضل من بينها.

بالأمس مرّ في حارتنا بائع خردة جوال، وقد لفت انتباهي ما يردده بصوته المرتفع والمزعج، حيث لم يطلب شراء الخبز اليابس كما هي العادة – لعله يخشى أن يلاحقه وزير حماية المستهلك – ولكنه استعاض عن الخبز اليابس بطلب شراء كل الأدوات المنزلية المعطلة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، من البراد إلى الغسالة وصولا إلى المكنسة وغيرها، وكنت أنتظر منه أن يلفظ اسم التلفزيون فقط كي أقوم من فوري بعرضه للبيع وشراء بطانية أو سترة تقيني برد الشتاء، إذ لا لزوم لجهاز أكله الغبار والعث وأخذ حيزا كبيراً في البيت لا يستحقه، بالمناسبة ما أسعار التلفزيونات المعطلة أو القديمة، وهل نستطيع بثمنها أن نشتري بضع ليترات من المازوت لمقاومة هذا البرد القارس..؟!