جديد 4E

الضرائب المجانية القاسية للزراعة بين الحلقة المفقودة المرئية .. والسر الواضح..

 

علي محمود جديد :

الحكومة مستمرة بدعم القطاع الزراعي لجهة تأمين مستلزمات الإنتاج من محروقات وأسمدة وبذار . هكذا قال السيد وزير الزراعة يوم  الجمعة الماضي أثناء جولة له في محافظة حمص . كان قد تفقد خلالها سير تنفيذ الخطة الإنتاجية الزراعية للموسم الحالي في مناطق الرستن والقصير والحولة .  واطلع على المشاكل التي تواجه المزارعين في تأمين مستلزمات الإنتاج وعلى واقع الثروة الحيوانية . والصعوبات التي تعترض مربي الأبقار والأغنام والدواجن والأسماك.

نأمل من وزير الزراعة أن يكون من خلال هذه اللقاءات مع المربين. قد عثر على ( السرّ الواضح ) لتلك الحلقة ( المفقودة والمرئية ) أيضاً التي فتحت هوّة سحيقة بيننا وبين أولئك المربين. وأبعدت ملايين السوريين عن التورّط باستهلاك إنتاجهم . بعد أن أبعدتها الأسعار بارتفاعها الشاهق مسافاتٍ بعيدة جداً عن متناول الأيادي التي غدت شبه خاوية وغير قادرة على أن تطال احتياجات أصحابها.

الحلقة المفقودة

والحلقة المرئية المفقودة، ذات السر الواضح – ببساطة وباختصار شديد – هي الأعلاف.

وهذا أمر كان من غير المعقول أن يحصل في بلد زراعي بامتياز يمتلك تلك المساحات الشاسعة من الأراضي القابلة لزراعة ليس فقط ما تحتاجه ثروتنا الحيوانية ، وإنما ما تحتاجه ثروات حيوانية لبلدان أخرى. ومع هذا نوقع أنفسنا نتيجة سوء التخطيط واللهاث وراء التبريرات تحت ضغط احتياج ثروتنا الحيوانية للأعلاف حتى بدت وكأنها تسير في موكب الانقراض جوعاً وتراجعاً وتهتكاً.

ما الذي ينقصنا حتى نكفي ثروتنا الحيوانية بأعلافها ؟ . وليست الأعلاف بالنهاية إلاّ من إنتاج هذه الأرض ..؟. كسل وتخاذل ولا مبالاة لا تكاد تُصدّق ..

نستسهل استيراد الأعلاف التي يزرعها غيرنا وندفع لأجلها القطع الأجنبي في هذا الزمن الشحيح به، ونستصعب زراعتها. أو ربما خططنا ونخطط بشكل غير سليم للوصول إلى حالة عدم القدرة على إنتاج ما يكفي ثروتنا الحيوانية. لنبدّد بذلك طاقة الأرض، ونفوّت على أنفسنا فرصة توفير أكبر للقطع الأجنبي.

بات من المُستسهل جداً القول بأن الحكومة تدعم القطاع الزراعي، في حين نصل بالنهاية إلى مثل هذه النتائج. فهذا ليس دعماً – وإن كان على هيئة دعم – هذا أشبه بهدرٍ عشوائي غير مدروس.

النتائج مطلوبة

القطاع الزراعي يجب أن يُدعم بدقة وعلمية للوصول إلى نتائج محددة ندرك جيداً أنها ستُشكّل قيمة مضافة. لا للوصول إلى نتائج تتشكل من خلالها صورة متناقضة تجمع بين الصيف والشتاء تحت سقف واحد . بعيداً عن التوازن التي تزداد ارتداداته صراخاً في الملمّات أكثر كما هي حالتنا اليوم. نحتاج للأعلاف لتغذية ثروتنا الحيوانية وبالتالي تغذيتنا بأسعار ممكنة، ولم نر أو نسمع بأي خطة لتدارك هذا الأمر. كما أننا لم نسمع هنا بأي دعمٍ حكومي يتجه نحو تطويق هذا الخطر الذي بات داهماً على صعيد الأمن الغذائي إن لم يكن قد دهم فعلاً. في حين تمضي حكوماتنا – كما مضت سابقاً ودون أي توقف – بدعم زراعة الحمضيات، ورغم أننا لا نحتاج إلى أكثر من 300 ألف طن سنوياً. بتنا نتيجة ذلك الدعم العشوائي ننتج مليون طن لتهيج أمواج فوائض الإنتاج في كل عام وتتفاقم أكثر فأكثر سنة وراء سنة.

وصار هذا الإنتاج الفائض عبئاً مزمناً يجثم على صدور الفلاحين والمنتجين. ولم تُفِدْ كل الإجراءات والمحاولات التسويقية شيئاً أمام عزم تدفق الإنتاج. لاسيما وأن الحكومة لم تفلح حتى الآن بإقامة مصنع عصير واحد، وهي تحتاج إلى أكثر من عشرة مصانع كي تلتهم فائض الإنتاج.

تخطيط غائب

إن المساحات المزروعة بالحمضيات والبالغة نحو / 44 / ألف هكتار – وهي كلها مساحات مرويّة – . وقد كان نصفها كافٍ لزراعة الحمضيات والاكتفاء بنصف مليون طن. ليكون نصفها الآخر قادراً على تغطية كل ما تحتاجه ثروتنا الحيوانية من أعلاف، ذرة – وفصّة – وبيقيّة – وبرسيم – وما إلى ذلك.

وكان يمكن استثمار قسم منها كأعلاف خضراء، وقسم آخر يمكن تيبيسها أو صناعة السيلاج منها لتكون أعلافاً قابلة للاستهلاك في الخريف والشتاء. ونضمن بذلك أمن اعلاف ثروتنا الحيوانية دون أي حاجة لاستيراد أي كميات علفية من الخارج.

الأمثلة كثيرة وأراضينا شاسعة وواسعة .. فقط علينا أن نخطط جدياً جيداً .. ونعرف أين ندعم ..؟ وكيف ..؟ ولماذا يكون الدعم ..؟ علّنا نحقق توازناً يبعدنا عن هذه العشوائية التي ندفع بالمجّان ضرائبها القاسية.

( خاص لسينسيريا – اقتصاد وفوبيا )