جديد 4E

عندما تكون البلديات مراكز نصح وارشاد لدعم وتشجيع بدء ممارسة الأعمال وتوطينها بأقل التكاليف

 

(البلدية الاستثمارية)

كتبه : الدكتور عامر خربوطلي

ربما يبدو هذا العنوان غريباً وغير مألوف وليس له علاقة مباشرة مع نهايات عام 2021 وتوقعات عام 2022 الاقتصادية كما تجري العادة في العديد من المواقع ومراكز البحوث .

جميع ما ذكر صحيح إلا أن هذا العنوان أي ( البلدية الاستثمارية ) يحمل في طياته جوهر التنمية وحقيقة العمالة والتشغيل والنهوض الاقتصادي وهو الحاضر والمستقبل وهو المحرك الأول للنمو الاقتصادي.. فكيف ذلك ..؟ لنبدأ الرحلة .

تقدم شاب سوري مهاجر ومقيم في إحدى المقاطعات الألمانية بملف إلى بلدية المدينة الصغيرة التي يقيم فيها للحصول على رخصة افتتاح ورشة لتحميص وطحن البن على الطريقة السورية ويبيعه بماركة محلية تحاكي اسم عائلته كما هو الحال في أغلب ماركات البن المنتجة في سورية وعندما راجع مركز البلدية فوجئ بالرفض للأسباب التالية :

– المقاطعة التي يعيش فيها هذا المهاجر السوري لا تضم الكثير من السوريين وبالتالي لا يوجد سوقاً كبيرة لتصريف هذا المنتج.

– سوف تحتاج تصنيع الكمية الاقتصادية إلى نقل وشحن الكميات الفائضة لمقاطعات أخرى تضم عرباً أو سوريين مما يحمّل المنتج أكلافاً إضافية بالإضافة لاستخدام وسائل النقل بالشحن بدون مبرر .

– التقانة التي يستخدمها وعمليات التحميص والطحن بسيطة جداً ولا تخلق قيماً مضافة عالية.

– المواد الأولية المستخدمة من (البن والهال) مواد مستوردة غير محلية .

وقد نصحه مستشار البلدية وممثل هيئة الضرائب الألمانية بالتحول لمشروعات أخرى صغيرة تناسب رأسماله وتتلاءم مع الطلب المحلي في المقاطعة وتتوافر لها المواد الأولية.

انتهت الرواية التي وصلتني مؤخراً، وفي التحليل نجد أن البلدية تمارس دوراً تنموياً استثمارياً عالي المستوى يقوم على توجيه المستثمرين وبخاصة لفئة المشروعات الناشئة الصغيرة ومتناهية الصغر على ولوج المشاريع الأكثر عائدية والأقل فاقداً والأعلى قيمة مضافة لأن موارد المقاطعة محدودة ولا ينبغي هدر الطاقة والموارد البشرية والمواد الأولية في منتجات وخدمات مكلفة وغير تنافسية وعرضة للانهيار والافلاس لاحقاً.

إذا البلدية وهيئة الضرائب هم شركاء المستثمر في النجاح وهم الناصحون الجيدون نحو الأفضل والأعلى ريعية على المدى الطويل وليس القصير تطبيقاً لتعريف علم الاقتصاد الذي يتمثل في استثمار الإمكانات المحدودة في اشباع حاجات غير محدودة إنها (البلدية الاستثمارية) التي تتنافس فيما بينها لاستقطاب المشاريع الناجحة وزيادة مواردها وموارد الضرائب وتقديم أفضل الخدمات لساكني هذه المقاطعات إنها تمثل (الدور التنموي) للإدارة المحلية التي يجب أن لا يقتصر دورها على تنفيذ المشاريع الخدمية والبنية التحتية بل تتحول إلى مراكز نهضوية للتنمية ولمشاريع الأعمال الجديدة وتؤمن لها فرص النجاح والاستمرارية .

وفي العودة لمقدمة المقال فإن سورية تحتاج اليوم لتفعيل الجانب التنموي لمجالس المدن والبلدات والنواحي والقرى لتصبح مراكز نصح وارشاد لدعم وتشجيع بدء ممارسة الأعمال وتخفيض تكاليفها وتوطينها في المناطق وفق المزايا التنافسية وخطط التنمية المطلوبة دون اغفال ربحية صاحب المشروع وشغفه و ريادته في الأعمال وقدرته على الاستمرار إنها معادلة التنمية الجديدة القديمة .

وكل عام وأنتم بخير.

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (148)

دمشق في 29/12/2021.