علي محمود جديد :
ينتابني الآن شعور عظيم .. وهو خليطُ بين الغبطة والألم، أحدثته معي النعوة التي وثّقتْ وفاة زميلنا العزيز وليد معماري .. رحمه الله وأرضاه.
إذ لا تعنيني على الإطلاق ولم أفكر يوماً ما هي الديانة التي ينتمي إليها وليد ..؟ كان ما يعنيني هو ذلك القلم البارع الذي يخط حروفه وكلماته بمنتهى الإيمان والشجاعة، لا يتردد بالدفاع عن المظلومين بأسلوبه الساخر الجذّاب الذي كثيراً ما أضحكنا فيما تكون قلوبنا تقطر دماً ودموعاً.
وليد كان يأخذ الحالة ويقيّمها بمعزلٍ عن الانتماءات، فيدافع عن صاحبها من أينما كان، المهم أن يكون في ضفة المظلومين وأصحاب الحقوق، ويهاجم بطريقته الفريدة من يقف على الضفة الأخرى من المتعجرفين الظالمين ومن أينما كانوا أيضاً.
فقد أحببناه وكنا شغوفين لكتاباته إلى حدود العشق .. لأنه هو هكذا كما هو .. وليس لانتمائه
اليوم .. ومنذ قليل فقط علمتُ من خلال نعوته أنه من الأخوة المسيحيين، وأنا لم أكن أعرف ذلك فعلاً رغم أنني التقيته مراراً في صحيفة تشرين وفي أماكن عديدة أخرى، كنتُ باللاشعور أستبعد ذلك دون تدقيقٍ أو سؤال أو توقف، فهو وليد وأبو خالد .. أسماءٌ إسلامية إلى حد كبير.
طبعاً هذا لا يهمني.. ولكن المهم هنا أنني أدركتُ الآن كم كان هذا الرجل رائعاً خلوقاً محباً للناس وعابراً للطوائف بمنتهى الإنسانية والتسامح، ولذلك كنتُ مغتبطاً لهذا العبور .. ومتألماً على فراقه الأبدي.
ليس كثيراً عليك أستاذنا الغالي وليد معماري هذا الحب كله الذي تدفّق على روحك الطاهرة من يوم أمس عند الإعلان عن رحيلك .. فمناقب العظماء تُضيء بنفسها.. سلامٌ لك وعليك .. فليكن ذكرك مؤبداً .. إنّا لله وإنا إليه راجعون .. طوبى لمن اخترتهم يا رب ..
=====
زاوية كتبها وليد معماري في عام 2013 بعنوان :
نافذة مكسورة
اشتكى لي صديقي أبو اليسر العسراوي، فيما يشبه التنفيس في مرجل معاناته المعيشية.. فقال: أَعجب كيف حين يرتفع سعر الدولار، فترتفع أسعار السلع مع ارتفاعه يشكل فوري.. وما أكثر ما اشتريت سلعة في مساء يوم بسعر يتلاءم مع تحرك السوق.. ثم عدت لشراء السلعة ذاتها، من البائع ذاته.. ومن الرف ذاته ، ولكن بسعر مضاعف بناء على تبرير يسوقه بأن الدولار ارتفع!… وأما حين يهبط سعر الدولار، فالبائع يتجاهل الهبوط بحجة أنه اشترى بضاعته بالسعر القديم.. مع تباطؤ في تعديل السعر إلى ما شاء له ضميره، أو مزاج طمعه..
وهذا الطمع والمزاج ذكرني بحكاية سيدة كانت تستقل مركبة سفر من النوع الذي يعرف بـ (الهوب هوب)، وقد تضايقت من الهواء البارد الذي كان يلفحها من نافذة راكب يجلس في مقعد أمام مقعدها.. وطلبت منه بكل لطف إغلاق النافذة… وأجابها بكل برودة أعصاب: “هِيّي.. هِيّي”.. وكررت رجاءها.. فكرر الرجل جوابه: “هيّي.. هيّة”!…
وحين بلغ الغيظ بالسيدة مبلغاً لا يحتمل، مدت يدها المتجلّدة من الهواء الذي يلسعها، وأمسكت بكتف الرجل، وهزّته.. وكررت رجاءها، ولكن بغضب، وقالت له: “يا سيد..الهواء الآتي من النافذة التي إلى جانبك بارد، وهو يؤذيني… إذا تكرمت، وسمحت، أغلق النافذة لأني لم أعد أحتمل”…
التفت الرجل نحو السيدة، وقال لها، من دون التخلي عن بروده السابق: “يا أختي.. بللور النافذة مكسور… يعني: هيّي.. هيّي!”..
فلا حول ولا قوة إلا بالله… هو حسبي، ونعم الوكيل!..