جديد 4E

إيقاعات الفنان التشكيلي خلدون بو حمدان ..تناغم الخط واللون .. الحزن والجمال

حلاوة الفن التشكيلي ..أنه يجمل القبح ليظهر الحقيقة

 غصون سليمان

للفن عيون مختلفة، كما للّون حبره الخاص،تراتيل من خطوط،وحضور من صورة،تكاد تنطق بكثير من الواقعية والدفء والإقناع،أما الاحساس فهو مغمور بوجع الواقع..فالريشة كانت في حالة توقد تجمع  في لهيبها جمر الألم الذي يدق ناقوسه في أوتار الروح علّه يتحرك الوعي ويستيقظ الضمير.

في معرضه الفردي الأول في ثقافي أبي رمانة  اختار الفنان التشكيلي خلدون بو حمدان عنوانا لمعرضه أسماه  ( ايقاعات ) ما يجعل للتناغم حالة منسجمة بين الخط واللون، بين الحزن والجمال،بين الشكل والمضمون، ومن خلال ايقاعاته الخاصة تظهر التفاصيل بعيون التقطها من كل ركن  من زوايا الوطن الذي عانى ما عاناه في سنوات الحرب العدوانية التي أبكته دمعا ودما كما معظم أبناء سورية .

وهذه الحالة الوجدانية العميقة عكسها الفنان بو حمدان بوجه اجتماعي وإنساني راق .فمن خلال لوحات المعرض الذي ضم ٤٢ لوحة  بقياسات متوسطة وصغيرة مشغولة بألوان الإكريليك كان لافتا حالة  الوجوه المختلفة للرجال والنساء وبوضعيات رمزية كتلك التي جسدت وجه رجل يبتسم وهيكل عنكبوت ،

ما يوحي  بأن هناك  في المجتمع بعض الأشخاص تمكنوا بأساليب مختلفة  من الاحتيال على الناس البسطاء،وهذه بنظرهم فريسة أو صيدة ثمينة ،  فخطوط اللوحة ترجمت بعض جزئيات  الواقع  الذي تحرك في داخل الفنان وترجم أحاسيسه.

تأخذك تلوينات المعرض إلى حالة البوح  وكأن اللوحات المنجزة تقرأ ما في داخلك،تعطيك انطباعاً عما تريد ،فاللون البرتقالي في لوحة الأنثى والرجل المسن تشي بتفسيرات عديدة قد تسقطها على أن هذا الرجل هو أب يعاني  من وجع ما لعدم استطاعته  تأمين ما تحتاجه ابنته من مستلزمات ضرورية ،وقد تراها عين أخرى بما ترمز لزواج البنت الصغيرة من كبير السن،أوخوف من مستقبل مجهول.

وفيما أنت تتأمل لوحاته الجدارية تستوقفك لوحة الملك القزم والذي عنى فيها الفنان بو حمدان حالة الجهل التي سيطرت على عقول من “سار ومشى ” في مشروع التآمر على سورية ،فكان سلوكهم لونا فظيعا من ألوان الجهل القبيح الذي أخر تقدمنا لعشرات السنين.

ومن مفارقات الواقع التي درجت عليه بعض الاحتفالات التكريمية تلك اللوحة التعبيرية التي لخصت في مساحتها ما يعتري  من وجد لإنسان كبير الشأن ،مخترع،مبدع،فيلسوف،عالم، في حال التكريم الذي أقيم من أجله حين  قدموا له هدية عبارة عن علبة كرتون فيها قطعة نحاسية وورقة دوّن عليها عبارة  :نشكر جهودك  على اختراعاتك، في الوقت الذي لم يرو فيه وضعه المعيشي العادي والبسيط ،وأين يسكن،فهو أقل الناس رفاهية ربما.فاللوحة جسدت البعد الدلالي الإنساني لهذه الشخصية الاجتماعية العلمية التي لم تلق واجب الاهتمام والرعاية .

وفي تعابير اللوحة التي رسمت وحفرت في خطوطها معدن الذهب تبدو  إشارة لما حل بالوضع الاقتصادي ،نتيجة ظهور وحوش المال  من تجار وغيرهم التي فتحت  شهيتها على كل شيء غير مكترثة بما حل لعامة الناس وهم ينظرون بين المطرقة والسندان .كما جسد في لوحات أخرى صور وأشكال قادة الشر في العالم، أولئك الذين لا يريدون للعقول النيرة أن تتقدم صفوف شعبها في بلادنا العربية وخاصة أبناء المجتمع السوري ،فورثوا أحفاد ابي جهل الذين شوهوا بأساليب اجرامهم وحقدهم كل وجه إنساني أخلاقي ،جمالي ،علمي ،حين أقدموا على قتل الكفاءات والخبرات الوطنية على جميع المستويات.

أيضا لم تغفل بصيرة الفنان بو حمدان عن كل جزئية من جزئيات الوجع السوري وفي المقدمة قوافل الشهداء فكانت لوحة الشهداء المعبرة عن تضحيات شباب الوطن وجيشه المغوار..فدلّت اللوحة في أسفلها على شريحة الجهلاء الذين صنعوا الكوارث فحجمهم الطبيعي أسفل  قاع المجتمع ،يعلوه مشاهد الدمار والتشرد والنزوح كنتيجة للجهل ، فيما علم الوطن وتضحيات الشهداء وذويهم تعلو وتسمو بكل كبرياء ووقار..ويقابل تلك اللوحة ،صورة أخرى جسدتها لوحة

الشمس عكست الحالة التنويرية للمجتمع،فبعد تضحيات الشهداء لابد ان يرافقها سطوع واشراقة شمس من نوافذ الوطن .

أنجز الفنان بو حمدان جميع لوحاته في سنوات الحرب العدوانية على سورية التي عاشت المأساة منذ البداية ،متأسفا على السنوات الماضية التي انتقلنا فيها من الجنة إلى الجحيم ،راسما بخطوطه الوجدانية  واقعا مرا ،إذ ليس من السهل أن يتحول الانسان العزيز الكريم إلى متسول،أو رجل صحيح سليم  البنية إلى رجل مقعد أو معوق نتيجة شظية أو قذيفة،أو أي شيء آخر، ويذكر بو حمدان أن الحزن العميق مازال مستوطنا في خاطره  منذ لحظة تعذيب وقتل الشهيد نضال جنود وما رافقه من تشوهات أخلاقية وإنسانية  طوال سنوات الحرب العدوانية وما رافقها من تداعيات  تركت ندوبا على الأصعدة كافة وهذه الحالة  ولدت عنده روح التحدي والتعالي على الجراح منتفضا وريشته الذهبية على توثيق الواقع بروح وخصوصية الفن التشكيلي الذي يجمل القبح كما يصفه بوحمدان ليظهر الأشياء على حقيقتها.

أخيرا ..حين سألته عن بطاقته الشخصية قال:خلدون بو حمدان..مسقط رأسي سورية ..تولدي سورية ..هويتي وتعليمي سورية..لا أحب أن أنتمي إلى منطقة جغرافية ..طالما سوريتي هي الوفية والغنية .