جديد 4E

احذروا براكين المشاعر .. التجاهل لكسب الود .. أم السماح بالتمادي.. ؟ أسئلة تحير أصحاب المشاعر المرهفة

 

 حسين صقر :

نصيحة تتبادر دائماً للأذهان .. إياكم واستفزاز ما بداخل البعض أكثر من الحد المسموح به، فبداخل كل إنسان بركان من المشاعر، إن ثار قد يحطم ما بداخله من كبرياء، لذا من لا يحب الاستفزاز عليه التحلي بالتواضع.

كلمات ومقولات كثيرة تستوقفنا عن تجاهل تصرفات الآخرين وممارساتهم المؤذية نفسياً ومعنويا ربما، ولعل أجملها، من يستطيع التجاهل حدّ العمى، ويستطيع الصمت حتى الموت، كما يستطيع أن يجعل كل شيء يعود للصفر ولنقطة العدم.

صحيح أن الحياة تحتاج أحياناً إلى تجاهل بعض التصرفات، لكن قد يفضي هذا التجاهل أحياناً لتمادي الآخرين في غرورهم وتعنيفهم البعض الآخر، وصحيح أن تجاهل بعض الأحداث والأشخاص والأفعال أو الأقوال، يجنبنا الوقوع في مشكلات نحن بغنى عنها، لكن يخشى من أن يتم فهمنا بشكل خاطئ، وتتشكل عنّا أفكار بأننا ضعاف، وغيرنا قوي قادر على امتهان كرامتنا في أي وقت، لكن كحد وسط ومن باب التوازن العقلي والفكري، من الضروري أن نعوّد أنفسنا على التجاهل الذكي، فليس كل أمر يحتاج وقوفك كصخرة صلدة، إذ لعل تجاهلك هذا يصلح ذات البين، ولاسيما إذا كان الشخص الذي بادر نحوك بالإساءة عاقلاً ومتفهماً لوضعك النفسي والاجتماعي والمهني.

 

في الغالب وبعد حدوث أي موقف، تجلس مع ذاتك، وتضع نفسك في الميزان، وقد تستخدم الآلة الحاسبة للاستنتاج الرقمي، متسائلاً ماذا ربحت وماذا خسرت من تلك الردود وذلك الموقف، وبالتأكيد سوف ترى ميزان الربح قد زاد مقابل الآخر، فقد كسبت الود، ودفعته كي يعمل لذاته نفس التقييم الذاتي على موقفه الذي بدر منه.

فتجاهل تصرفات الآخرين، سؤال يتبادر إلى الأذهان كلما وقعنا في مشكلة، وكلما خانتنا الذاكرة عن إيجابيات التجاهل، نسأله لذواتنا باستمرار هل كان التجاهل أفضل، والرد بكلمة بسيطة تخجل الطرف الآخر، لكن سرعان ما يأتي الرد من الداخل، ماذا لو تجاهلت أنا؟ واستمر هو بالتمادي..

فأساس فلسفة التجاهل تقوم على عاملين أحدهما لفت الانتباه، لأن الأخير يساعدنا في تحليل الموجودات وما يكنه الآخرون لنا، والعامل الثاني الخوف من ردود فعلهم، ولكن ما إن يتحدثون عن التجاهل بمفهومه الشامل سوف يجدون أنه أحد المسببات النفسية لمشكلات كبيرة قد تصيب الشخص المتجاهل، وفي أحيان أخرى يعدونه أحد الحلول لتلك المشاكل، حيث يتوقف ذلك على نفسية وشخصية طرفي النقاش، وقد يكون في أحيان أخرى أحد الحلول للتملص من أي إجراء تتسبب في أذى هذين الطرفين.

ويوضح هؤلاء أيضاً أن للتجاهل في علم النفس عدة مصطلحات، منها التجاهل التكتيكي، وهو إحدى الاستراتيجيات السلوكية التي تُستخدم في الرد على سلوك تحد يسعى صاحبه من خلاله الى أن يقوم بلفت الانتباه أو الحصول على رد فعل معين من الآخرين، وقد يفرحه هذا الرد أو يحزنه، وكأنه بمثابة اختبار لشخصية المتلقي.

ويقولون أيضاً: إن التجاهل قد يكون نوعاً من العقاب للشخص المستفز، و هو أحد الطرق التي يحاول بها التأثير عليه بطريقة تختلف عن الطريقة التي استخدمها الطرف المبادر .

فعلى سبيل المثال، سبب تجاهل امرأة لرجل قد يكون رغبة منها في تبيين أمر ما له، وأحياناً يأتي التجاهل من محبة للشخص الذي تم تجاهله، كي لا نخسره، وفي أحيان ايضاً يكون الرد أيضاً نتيجة حبنا له، وفي رغبة منا لإيقافه عند حد معين، كي لا يتمادى أكثر وتكبر بداخلنا الأحقاد عليه.

بالنتيجة وفي أحداث الدنيا قد يأتيك ضرر، أيا كان الضرر، ممن تحب ويكون من الصعب الرد لأسباب معينة، فيكون الحل الناجع هو التجاهل والبعد، والاكتفاء بالسلام العابر، وفي ذلك حكمة واستيعاب للموقف ونظرة بعيدة المدى، أبعد من مجرد خلاف أو اختلاف، فحفظ الود ولو في أدنى درجاته قد يكون فيه خط رجعة للطرفين، ويكون أساساً تقف عليه العلاقة المستقبلية في حال عودتها، وفي ذلك لا ضرر ولا ضرار، الاكتفاء فقط بالتجاهل قد يحل المشكلة إن كانت هناك مشكلة.

وفي علاقاتنا اليومية ينبغي علينا كأشخاص قد نواجه أي مواقف شخصية، أن نتذكر التغافل والتجاهل، فليس كل إنسان معصوماً من الخطأ، وفي ساعات اليوم، قد تغضب نصفها وتهدأ نصفها، والعاقل من يبحث عن العذر للآخرين قبل نفسه.