جديد 4E

حتى الموت زادت تكلفته!

زياد غصن:

حتى الموت بات عبئاً على الأسر الفقيرة وذات الدخل المحدود!

فمنذ أيام قليلة، فجعت إحدى الأسر بوفاة بكرها، والذي لم يتجاوز عمره ثلاثة وعشرين ربيعاً، في أحد المستشفيات الحكومية في العاصمة.

بدأت الأسرة المفجوعة بمتابعة بالإجراءات المعتادة لنقل الجثمان إلى مسقط رأسه في إحدى قرى الساحل. وهنا كانت الفجيعة الثانية.. ما بين أجرة غسيل جثمان الشاب في مشفى حكومي، وتكلفة نقله بسيارة إسعاف إلى قريته، كان على الأسرة الفقيرة تأمين حوالي 700 ألف ليرة لتسديد التكلفة المطلوبة!

وهذا من دون احتساب تكلفة شراء الأدوية، وأجرة الأطباء والمستشفيات….إلخ.

وربما لو اضطرت الأسرة لشراء قبر، كما يحدث في مناطق عدة، لكان المبلغ أضعافاً مضاعفة، لكن ميزة مقابر الريف السوري أنها أكثر رأفة بأسر المتوفين لأسباب متعلقة بالتضامن الإجتماعي بين العائلات، وجود قبور خاصة بكل عائلة.. ثم إن القبور لم تتحول بعد إلى تجارة.

يعني باختصار… الأسرة اضطرت للقيام بالواجب الديني والإنساني والأخلاقي تجاه ابنها المتوفي إلى دفع ما بين مليون ومليون ونصف المليون ليرة، ما بين تكلفة إجراءات الدفن، وبين التكلفة المترتبة على عادات تلقي التعازي من الأقارب والأصدقاء والمجتمع المحلي.

قد لا يكون هذا المبلغ كبيراً في ضوء مستويات التضخم الهائلة، إنما أين هي فرصة العمل التي تضمن للأسرة دخلاً شهرياً قدره مليون أو مليوني ليرة؟

وأنا هنا أتحدث عن أسرة فقيرة أو ذات دخل محدود، أبناؤها بعيدون عن أضواء الشأن العام وشهرة بعض المهن، وتالياً فهي ليست بحاجة إلى استئجار صالة على مدار يومين، إقامة موائد، توزيع مصاحف وكتب مقدسة، وغير ذلك.

لكن يجب ألا ننسى أيضاً تكاليف رحلة العلاج المرهقة في هذه المرحلة، والتي تختلف بين مريض وآخر تبعاً لنوع المرض، مدة الإصابة، الأدوية التي يحتاجها، ومكان العلاج… وللأسف أحياناً يكون قدر البعض من المرضى بعد كل تلك المعاناة، الآلام، والتكاليف المرتفعة… هو الموت.

في المحصلة، يمكن القول: إن تكاليف الموت لم تعد قليلة، وما كان يجري سابقاً من تضامن وتعاضد مجتمعي في ظروف الموت، تراجع كثيراً تحت تأثير الوضع المعيشي والاقتصادي لمعظم الأسر السورية.

ولهذا، فإن أفضل أمنية برأيي اليوم عندما يحين أجل أي منا… هو الموت الفجائي، لأنه الأقل رأفة مادياً بأسرنا… التي تكفيها نكبة واحدة!