استحضرت قصص الأنبياء وأسقطتها على الواقع سعياً للعدالة ونبذ الظلم .. قراءة في رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ .. (1-2 )
خاص للسلطة الرابعة – د.محمد فتحي عبد العال * :
تــقديــــم:
تعد رواية أولاد حارتنا من الروايات الابرز تأثيرا في الأدب المعاصر والأكثر تطرفًا واثارة لحفيظة الأوساط الدينية في مصر والعالم العربي وقد قام بتأليفها الكاتب المصري نجيب محفوظ وتعد الرواية عاملا أساسيا في وصوله للعالمية وحصوله علي جائزة نوبل للآداب عام 1988م، كأول مصري وعربي يحصل على الجائزة وفي المقابل كانت سببا رئيسا لمحاولة اغتياله عام 1995.
الحكمة من الرواية بحسب المؤلف:
بعد ثورة يوليو عام 1952 توهم الكثيرون أن الأمور سوف تسير نحو التحول إلى الحياة الاجتماعية العادلة الا أنه وبمضي الوقت اكتشفوا أن أصنام العهد الملكي التي هدمت حلت محلها اصناما جديدة وأن الأبواق الإعلامية التي سبحت بحمد الأصنام الهالكة هي ذاتها التي تصنع الأصنام الجديدة وتبارك عبادتها وأن لا شيء من حياة الناس قد تغير.
حاول نجيب محفوظ عبر استحضار قصص الأنبياء أن يضع نصاب قادة يوليو 1952 حاجة المجتمع الماسة إلى تحقيق العدل ونبذ الظلم وهي القيم التي نشدها الأنبياء في رسالاتهم. غير أنه استخدم طريقة غير مألوفة فقد نزع عن هذا القصص الديني لباسها المقدس وأوجه الاعجاز فيها مسقطا إياها على الواقع و بدت القوالب الواقعية شديدة السذاجة كما هو الحال في تحويل النبي موسی صاحب معجزة العصا الى جبل الحاوي و النبي عيسى الذي يبرئ الاكمة والابرص الى رفاعة طارد العفاريت !
عبّر محفوظ عن ذلك بقوله: “فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الاجتماعي الذي كان قائما.” ولأن الأمور بخواتيمها فهل وصلت الرسالة لقادة يوليو ..؟ والاجابة: بالطبع لا.. فلم يفهم أحد أن للقصة طابعا سياسيا قبل تصريح الكاتب بذلك والدليل أن الرئيس جمال عبد الناصر والمعروف بصرامته مع المعارضة وجه رئيس تحرير صحيفة الأهرام آنذاك محمد حسنين هيكل بالاستمرار في نشرها الأول عام 1959على الرغم من اعتراض الأزهر مع سرعة الانتهاء من نشر حلقاتها لتكون يومية بدلا من أسبوعية .
شخصيات الرواية :
تتضمن الرواية خمس قصص: الأولى: أدهم، والثانية: جبل، والثالثة: رفاعة، والرابعة: قاسم، والخامسة: عرفة.
وقد استطاع محفوظ أن يختار للأنبياء أسماء مبطنة قريبة من اسم كل نبي و لصيقة بالواقع فأدهم هو أدم، وجبل هو موسى، ورفاعة هو عيسى، وقاسم هو محمد، أما إدريس فيمثل إبليس، و قدري هو قابيل، وهمام هو هابيل، وشافعي وعبدة يوسف النجار ومريم، أما عرفة فيرمز للعلم المادي الحديث .
قصص الرواية في ايجاز:
القصة الاولي أدهم :
وتبدأ القصة بشخص يدعى الجبلاوي وهو المستمر معنا طوال الرواية على الرغم من تباعد الأزمنة وكان كثير الحريم يقطن في بيته الكبير ذو الحديقة الغناء وله وكالة كبيرة، ولديه أبناء عدة أكبرهم إدريس ولكن الجبلاوي يفضل أدهم ابن الجارية السوداء على بقيَّة أشقائه لعلمه بأسماء المستأجرين واجادته الكتابة والحساب، وهو ما قبله عباس وجليل ورضوان على مضض ورفضه ابنه إدريس؛ فيطرده الأب من البيت الكبير إلى الأبد ، فيحاول الانتقام عبر إفساد العلاقة بين أدهم وأبيه واغوائه بالوصول إلى كتاب الجبلاوي المتضمن الميراث حتي يطمئن إدريس إن كان له نصيب في الميراث أم لا ؟ فتزين أميمة لزوجها أدهم خوض هذه المغامرة والوصول الي المجلد حتي يعلما نصيبهما أيضا من الميراث فيكتشف الجبلاوي ذلك فيطرد أدهم وزوجه من البيت إلی الخلاء .
رزق أدهم من أميمة بقدري وهمام ثم ينشب الخلاف بين الأخوين مع دعوة الجبلاوي عبر البواب كريم لهمام ليعيش مع جده في البيت ويبدأ حياة جديدة هناك فتتملك الغيرة من قلب قدري فيقذف أخيه همام بالحجر ويقتله ثم يدفنه.
القصة الثانية جبل :
وتتناول القصة الصراع بين آل حمدان أفقر الناس وأكثرهم تعرضا للتنكيل والهوان والناظر الافندي حول احقيتهم في وقف الجبلاوي ثم يطل على الأحداث جبل والذي تتبناه هدی هانم العقيم زوجة الناظر بعد أن رأته في حفرة مملوءة بمياه الامطار، ثم يتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وحين يبلغ أشده يعينه الأفندي على إدارة الوقف، ثم تتسارع الأحداث بفرار جبل الى سفح المقطم بعدما أجهز على (قدره) احد فتوات الناظر لينقذ (دعبس) احد آل حمدان الذي كان على موعد مع الهلاك بنبوت قدره الغليظ وفي سوق المقطم يجد جبل كشك حنفية مياه عمومية، يتزاحم حولها الناس ليملئوا أوعيتهم بالماء فيجد فتاتين (شفيقة وسيدة ) منعهما الحياء من مزاحمة الناس فملأ لهما الماء . ثم كان استدعاء أبوهما المسن “البلقيطي” مروض الحيات له حيث يزوجه أحدى ابنتيه ويعلمه مهنة الحواة، فكان يخفي بيضة في جيب ويخرجها من جيب آخر، ويتعامل مع الحيات والثعابين ثم يرقّص الحيّة . ويذهب جبل إلى الناظر – بعد أن قابَل الجبلاوي وأمَرَه بذلك – مطالبًا بحقِّ آل حمدان في الوقف فيرفض ثم يلي ذلك أحداث عظام تقع في الحارة فتغزو الثعابين البيوت حتي وصلت بيت الناظر وارعبت الهانم فطلب من جبل أن يطهر الحارة من الثعابين في مقابل احترام كرامة آل حمدان وإعطائهم حقهم في الوقف. لكن الناظر يحنث وعده لجبل بعد أن انجز مهمته لتحدث مواجهة بين الطرفين وتنتهي القصة بعودة الحق لآل حمدان .
القصة الثالثة رفاعة :
حيث زنفل الطاغية قاتل الاطفال ينزل بآل جبل أشد ألوان العذاب مما يضطر شافعى النجار و زوجته الحامل (عبدة ) إلى الفرار ثم العودة مرة اخرى إلى الحارة بعد أن هدأت الاحوال وبصحبتهما ابنهما رفاعة ..كان رفاعة شغوفا بالقصص التي يرويها الشاعر جواد بقهوة جبل عن الجبلاوى وأبنائه وهذا ما صرفه عن التركيز في مهنة أبيه في النجارة وكان رفاعة كثير التردد علي زوجة الشاعر (أم بخاطرها ) التي كانت تجيد ترويض العفاريت بالزار والبخور السوداني والتعاويذ الحبشية والاغاني السلطانية ليتعلم منها فشعر أن هذا هو العلم الذى يحقق السعادة الحقيقة ويعالج الشرور ثم جاءه أمر جده الجبلاوي( فالإبن الحبيب من يعمل !!) علي عودة العدل إلى الحارة ، يتزوج رفاعة من البغي ياسمين انقاذا لها إلا أنه كان زاهدا في الزواج فتستغل غيابه في تطبيب الناس عبر طرد العفاريت وتخونه ياسمين مع بيومي الفتوه والذي يتآمر مع الفتوات على قتل رفاعة فلمَّا عرف رفاعة بعزمهم هرب مع أصدقائه الأربعة الذين كان قد اصطفاهم بعد توبتهم (زكى الصعلوك وحسين الحشاش وعلى البلطجى وكريم القواد) ، الا أن الفتوَّات ظفروا به بمساعدة ياسمين وقتلوه ثم دفنوه ويستخرج أصدقاؤه جثته من المكان الذى دفنها فيه الفتوات ليدفنوها فى إحدى المقابر ثم يقتلون ياسمين لخيانتها إلا أن أهل الحارة سرى بينهم أن الجبلاوي رفع جثَّة رفاعة ودفنها في حديقته ، ثم بالَغُوا في تقديس والديه ومنهم من امتنع عن الزواج اتباعا لسيرته.
( يتبع )