جديد 4E

 تلافياً للفوضى وعرقلة الأعمال .. علينا البحث دائماً عن الخط الفاصل بين اليد الخفيّة والمرئية

( اليد الخفية..)

 

الدكتور عامر خربوطلي :

التشريع هو مجموعة القواعد العامة الملزمة الصادرة عن السلطات العامة المختصة التي تبيع أو تحظر أو تنظم حق أو مجموعة حقوق ضمن وثائق مكتوبة.

وتندرج التشريعات الاقتصادية في هذا الإطار وتهدف إلى تنظيم العمل الاقتصادي بمختلف جوانبه التجارية أو الصناعية أو الخدمية بما يحقق أقصى درجات الفاعلية والعدالة.

إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان دوماً (هل كثرة وشمولية ومركزية التنظيم يساعد في تحفيز العمل الاقتصادي أم أنها تشكل عائقاً له)

البعض يشبه التنظيم (باليد غير الخفية التي تتدخل في جميع جوانب العمل الاقتصادي) وتسبب تراجعاً في العمل الاقتصادي والبعض الآخر مازال يتبنى فكرة (اليد الخفية) التي ابتكر تسميتها الاقتصادي العالمي الأشهر (آدم سميث) في كتابه (ثروة الأمم) والذي قال فيه أن الفرد الذي يقوم بالاهتمام بمصلحته الشخصية يساهم أيضاً في ارتقاء ومصلحة مجتمعه ككل من خلال مبدأ (اليد الخفية ).

ان مفهوم “اليد الخفية” أخذ معنى أشمل مما بدأ به سميث إذ تخطى استعمالاته المقارنة بين التجارة الداخلية والتجارة الخارجية.

فميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، سمى فكرة اليد الخفية “بفرص التعاون بدون اكراه” الجدير بالملاحظة هنا أن مفهوم “اليد الخفية” هي “نزعة طبيعية” وليست آلية اجتماعية كما صنفها آخرون .

تقول نظرية اليد الخفية انه لو سُمح لكل مستهلك بحرية اختيار السلعة التي يرغب بشرائها، وسُمح لكل مُنتِج أن يبيع ما يشاء وأن يُصّنِع السلعة التي يشاء وبالطريقة التي يرغب، فسينتهي المطاف بسلع ذات نوعية وسعر مناسبة ومفيدة لكل أفراد المجتمع وبالتالي للمجتمع ككل. والسبب يعود إلى أن الجشع سيكون عامل دفع لتصرف نافع.

وبالتالي، فعمليات تحسين فعالية وكفاءة الإنتاج ستكون هدف الُمصنعين لزيادة الربحية عن طريق تقليص التكاليف، وخفض الأسعار ستكون دافع للقضاء على المنافسة.

وسيستثمر أصحاب الاعمال في الصناعات المطلوبة من أجل الربح، كما سيسحبون استثماراتهم من الصناعات الأقل فعالية في إنتاج أي ربحية. وكذلك، سيشجع هذا الوضع الطلاب على دراسة التخصصات المطلوبة أي التي ستجلب لهم مداخيل أعلى. وكل هذه التفاعلات تحصل بشكل عفوي وطبيعي.

كما أنها ستكون عامل توازن. فمثلا، فإن أفراد مجتمع فقير مستعدون أن يعملوا بأجور منخفضة مما يجذب المستثمرين لإنشاء مصانع في المناطق الفقيرة لانخفاض التكلفة.

وهذا يزيد الطلب على اليد العاملة وبالتالي ينتج مجتمع استهلاكي جديد مما يتطلب زيادة في الإنتاج وبالتالي زيادة في طلب اليد العاملة مما سيزيد من رواتبهم في نهاية المطاف.

وستستمر هذه الحالة إلى درجة بحيث تصبح كلفة الإنتاج في هذه المنطقة التي “كانت” فقيرة عالية لدرجة انها لا تعود بالربح. لكن هذه الآلية تساعد الاقتصاد المحلي على الإنتاج والاعتماد الذاتي.

لا شك أن الاقتصاد السوري والذي يعتمد اصلاً على جزئه الأكبر على قطاع خاص وأهلي تقارب مشاركته في الناتج المحلي على الثلثين تعوّد منذ بدء انطلاقته مطلع العشرينيات على مبدأ حرية العمل الفردية وهدف الربح لافتتاح الاعمال بمختلف أنواعها ولكن هذه الاعمال ولّدت مشاركات اجتماعية عديدة تجلت في المدارس والمشافي والجمعيات الخيرية والاجتماعية وأدت في مراحل معينة لاستيعاب الأيدي العاملة بشكل مقبول ومرضي إلا أن التشريعات الاقتصادية والتنظيم أصبح حاجة في مراحل متقدمة من العمل الاقتصادي الذي تطور وتشعب إلا أن كثرة التنظيم وتعقد التشريعات وصعوبة تطبيقها في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي إلى إضعاف جذوة المبادرة الفردية وهي أساس العمل الخاص الذي يبحث دوماً عن السهولة والوضوح في افتتاح وممارسة الاعمال .

وهو في هذه الحالة سيسهم ضمناً في تحسين الناتج المحلي الإجمالي ويحقق الأهداف الاقتصادية المطلوبة، يجب البحث دوماً عن الخط الفاصل بين ( اليد الخفية واليد المرئية ) كي لا تتحول حرية الاعمال إلى فوضى ولا ينقلب التنظيم الشديد للأعمال إلى عقبة.

 

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم ( 140 )

دمشق في 13/10/2021.