جديد 4E

تصريحات “الكوميديا السوداء”!

زيــاد غصــن :

ما يحدث اليوم على مستوى الأداء الحكومي بات يرقى بالفعل إلى مستوى الكوميديا السوداء.. أو كما يقول أحد الزملاء الصحفيين: مصدر إلهام لتأليف نكت كثيرة!

فإلى جانب القرارات غير المفهومة والمتناقضة، وتخبط السياسات والإجراءات، تأتي تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين، المنفصلة عن الواقع أحياناً والمعاندة للعلم وبديهيات العمل الاقتصادي أحياناً أخرى، لتظهر عمق المشكلة التي تواجهها البلاد في إدارة الشأن الاقتصادي والمؤسساتي.

مثل هذه التصريحات باتت مادة للتندر والسخرية على المستوى الشعبي والإعلامي، وأرشيف المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين يعج بالكثير  من التصريحات، التي يمكن أن تشكل مادة دسمة لأعمال درامية محلية على شاكلة “مرايا”، “بقعة ضوء” وغير ذلك.

المشكلة هنا ذات بعدين…

البعد الأول يتمثل في تعميق حالة عدم الثقة المتشكلة لدى المواطن حيال واقع الأداء الحكومي وقدرته على وقف التدهور الحاصل في المستوى المعيشي والاقتصادي. فالتصريح في أحيان عديدة ليس مجرد هفوة ولا خطأ غير مقصود كي يجري التعامل معه شعبياً كأخطاء عمل، ففي النهاية هو يعبر عن ثقافة المسؤول، تمكنه من اختصاصه، وقدرته على مخاطبة الرأي العام.

وعندما تغيب الثقة لدى المواطن، فهذا يعني مزيداً من التعثر في مواجهة تحديات العقوبات وتداعيات الحرب وأضرارها. فالمواطن هو في النهاية الموظف، العامل، صاحب العمل الصغير، ورجل الأعمال الكبير… أي أنه طرف مهم في المعادلة الاقتصادية، ولذلك من الطبيعي عندما يخرج طرف من هذه المعادلة أن يحدث تعثر هنا، وفشل هناك.

والبعد الثاني هو في حجم الضرر الاقتصادي المباشر وغير المباشر الذي ينجم عن مثل هذه التصريحات، والتي عادة إما أنها تمهد لصدور قرارات جديدة أو أنها تحاول تبرير قرارات صدرت للتو، وفي كلتا الحالتين ثمة ضرر ما يلحق بالاقتصاد الوطني وقطاعاته… وحتى بهيبة الدولة والوظيفة العامة.

فهناك مستثمرون كثر خرجوا من البلاد بفعل تصريح معين، وهناك معامل توقفت نتيجة صدور قرارات غير علمية، وهناك سلع زادت أسعارها بسبب سوء تقدير حكومي… وهكذا.

والسؤال… هل هناك من يحاسب على تصريحات المسؤولين الحكوميين غير الموضوعية والعلمية؟

ولماذا لا يتم تصويب التصريح الخاطئ لاحقاً حتى لو كلف الأمر تقديم المسؤول اعتذار عن تصريحه المتسارع؟

ولا أتحدث هنا عن التصريحات المعاندة للعلم وبديهيات العمل، وإنما أيضاً عن التصريحات التي تطلق في غير توقيتها أو التي تستفز مشاعر الناس من دون أي مبرر يفرض قولها.

السؤال الآخر الذي قد يطرحه البعض تعقيباً على مثل هذه التصريحات: هل من المناسب وقف أو تقليل ظهور المسؤولين الحكوميين على الإعلام؟

أتمنى أن يظهروا أكثر  ليكشف الرأي العام حقيقة كل مسؤول حكومي ويقف على إمكانياته وقدراته المعرفية والعلمية.