جديد 4E

” الميتروبول السوري” في القاهرة وحقيقة نزوح صنّاع النسيج .. أسرار مسكوت عنها ؟!!

نــاظم عيـــد :

ممتاز أن يخرج رجل أعمال سوري ممن هم في مصر اليوم، حتّى قبل اندلاع الحرب على سورية، ليفصح عن حقائق كواليس المشهد هناك، والذي تتصدره ملامح افتراضية كادت أن توحي بأن بلاد ” الفرعون” تحولت إلى جنّة استثمارية رغم أنها لا تكاد تخرج من حزمة “سنوات عجاف” حتى تدخل في أخرى.. بلد بالكاد يطعم شعبه خبزاً.. يتحول فجأة إلى قبلة استثمارية للسوريين؟؟…بالفعل ثمة ألف سؤال وسؤال يتركه مثل هذا العنوان الذي خيّم على طريقة تناول الظاهرة الجديدة ” الهجرة إلى مصر”..!!

أمين الجالية السورية هناك أفصح عن تفاصيل من شانها تصويب الموقف، ولو أنه تأخر بعض الشيء ..لكنه خيراً فعل، بما أن المعنيين بالشأن الصناعي هنا في أوساط قطاع الأعمال قد تأخروا أيضاً باتخاذ موقف مما يجري، وكانت بياناتهم تشبه محاولة رفع العتب.. وكان عليهم الخروج عن صمتهم قبل أن تتحول القضية إلى قضية رأي عام تقريباً !!

ورغم أننا كتبنا في هذا الشأن قبل أن يتحدث “السادة المتحدثون” وفي ذات السياق الذي نحونا به نحن، إلا أن ثمة ما بقي و يجب قوله ولم يقله أحد منهم بشكل صريح، ويتعلق بالمفارقة المتمثّلة بالموقف من الجانب المصري الذي برع في محاولة “السطو” على كوادر المال السوري – ليس اليوم وحسب –  بل ومنذ سنوات عندما بدت ملامح الانفراج في سورية قبيل قانون قيصر، و بدا الحديث عن نيات بإقامة مدن صناعية خاصّة بالسوريين هناك، وتولى الوزير أحمد الوكيل حينها قيادة هذا الملف الملغوم، بمساعدة رجال أعمال سوريين هناك.

هنا لا بدّ من أن نسأل .. هل تبدو مبادرة “الأشقاء” المصريين إنقاذية أم انتهازية، بالنسبة لسورية والاقتصاد السوري؟؟

لن نجيب مباشرة ..لكن نزيد بسؤال آخر وهو.. إذا كانت مبادرة إنقاذية ودّية و أخوية إلى الحدود التي تحدث عنها بعضهم هنا، بل ” وتغنى بها بألحان مختلفة”.. لماذا إذاً تضع السلطات المصرية اشتراطات تعجيزية على تصدير المنتجات السورية ودخولها إلى أسواقها – اشتراطات موسمية متكررة – وتوجه ضربات موجعة تلو الضربات إلى المنتج السوري في قطاعي الزراعة والصناعة، وكان أحدث الإجراءات ما يتعلّق بتصدير التفاح السوري؟؟.. وبذات الوقت تفتح أبوابها على مصراعيها أمام كل من يرغب بالرحيل إليها، وربما لو امتلكت السخاء والإمكانات لأحضرت طائرات خاصة إلى دمشق لترحيل السوريين ؟!!

بالتأكيد لا يوجد ما هو ودّي في عالم الاقتصاد الخالي من العواطف والوجدانيات، حيث لغة الأرقام والمصالح على طريقة ” أنا وليكن من بعدي الطوفان”.. لذا على من يلزم ألا يتوهّم  ويصفّق لفصول هذا المشهد الكئيب..

فبخصوص التسهيلات والمرونة التي زعموا أنها عنوان التعاطي مع رجال الأعمال هناك..خصوصاً السوريين الحالمين بالذهب كما المهاجرين إلى القارة الجديدة في قرون مضت، سنسرد خلاصة حديث مع أحد رجال الأعمال السويين الفاعلين هناك، التقيناه بدمشق و ختم حديثه عن حالات الابتزاز والفساد واستغلال السوريين بحادثة على سبيل المثال، يمكن أن تختصر شرحاً مطولاً.. يقول الرجل:

“لجأ إلي أحد رجال الأعمال السوريين في مصر يزمع إقامة مشروع صناعي هناك، ولم يتمكّن من الحصول على التراخيص المطلوبة رغم كل ما دفعه من أموال – من تحت الطاولة – في مختلف الدوائر المعنية هناك، ولعلاقة صداقة تربطني مع شخصية برتبة لواء في أحد الأجهزة الفعالة – يقول الرجل – تمكنت من إيصال الشكوى إلى حيث يجب، لكن اللواء أحب أن يسمع بنفسه وطلب أن أجمعه بـ ” الصناعي العاثر” بصفة مستعارة “محامٍ “، وكان ذلك …واستمع لقصة ابتزاز وتسويف طويلة…المهم تولى ” المحامي المستعار” حل المشكلة، و بالفعل تم منح الترخيص للرجل السوري بعد أيام قليلة”.. هذا حديث رجل أعمال سوري في مصر منذ حوالي  5 سنوات من الآن…ولا ندري ربما نزل وحياً إلهياً على السلطات المصرية وغدت نظيفة اليد مرتوية الجيوب عفيفة النفوس…لا ندري فكل شيء وارد.

الآن سنوضح لماذا مصر…ولماذا سافر السوريون إلى هناك للاستثمار قبل الحرب على بلادهم…ولماذا نلاحظ أن معظمهم صناع نسيج بالدرجة الأولى ؟؟؟…تساؤلات نظنها مهمة والإجابة عليها بكلمة مؤلفة من 4 حروف ” كويز”.

الـ” كويز” هي اتفاقية مصرية – إسرائيلية – أميركية، تعود للعام 2004،  أثارت جدلاً حينها لا يقل عن الجدل الذي أثارته اتفاقية ” كامب ديفد”..وتقضي الاتفاقية – كويز – بفتح الأسواق الأميركية أمام منتجات الغزول والنسيج والملابس المصرية، دون رسوم جمركية، شريطة أن تحتوي هذه المنتجات على نسبة 11.7 % مدخلات إسرائيلية ..

أي غدا قطاع النسيج المصري مرشحاً ليكون في صدارة القطاعات العربية التصديرية إلى العالم، وبات أهم مطارح الاستثمار بالتالي الوجهة المجدية والمحببة لكل صناعيي النسيج والملابس والغزول العرب، ومنهم السوريين، قد شهدت السنوات العشر ما قبل الحرب على سورية، وكذلك السنوات العشر بعد الحرب، ظاهرة نزوح كثيفة لصناع النسيج السوريين إلى مصر، وبالطبع كان لكل منهم ذريعة لتبرير فعلته، بعضهم تحدث عن مضايقات و آخرون سردوا حوادث محددة تصب كلّها في خانة دوافع ” الهجرة إلى الكويز”..؟!! و تصدر السوريون قطاع النسيج في مصر وهناك شركات ذات شهرة عالمية ..ولمن يشاء أن يسوق التقديرات التي يراها مناسبة للموقف، ومن الممكن أن يحتفظ بها لنفسه، على الأقل الآن.

على الرغم من ذلك من المهم أن نشير إلى الميزة التي يسافر لأجلها رجل الأعمال السوري – غير صناع المنسوجات –  إلى مصر اليوم، و هي ” توفر الوقود والكهرباء هناك” في وقت تبدو المعاناة كبيرة هنا في هذا المجال.. وهذا من طبيعة الأمور في زمن الحروب والأزمات.. فأزمتنا أزمة طاقة على كل حال.

هامش :

نتوقع أن تمنع السلطات المصرية المستثمرين السوريين من العودة فيما لو رغبوا بذلك…وستتحفظ على أموالهم وإيداعاتهم في البنوك وعلى استثماراتهم…كما حصل لهم ويحصل الآن في لبنان وتركيا والكثير من البلدان التي هاجروا إليها.. لكنهم لا يصرخون بل “يئنّون بصمت”.

الخبير السوري