جديد 4E

ذات تشرين

شهناز فاكوش :

كان الزمن أياماً مبكرة من شهر رمضان المبارك، ليلاً وصل إلى البيت تحدث بهمهمات تطوي في ثنايا حروفها توجّسَ أمرٍ كبيرٍ خطير، لكنها لا تفصح عن أي شيء مما حصل في اليوم التالي.. كان ذات سبت.. الزمن الظهيرة الساعة الثانية، فيروز على إذاعة دمشق.. أمر غير معهود، فيروز عادةً تشارك السوريين القهوة وبرنامج مرحباً يا صباح، وصوت نجاة الجم الشفيف.

فيروز وخبطة قدمكم على الأرض هدّارة، وهدير الطائرات يملأ الجو.. الأمر جلل ما الذي يحدث.. بدأ أزيز الصواريخ يشق صمت الشمس الدافئة، الشوارع ملأى بالمشاة كل يرفع رأسه عالياً، هي صواريخ سام التي تعرّفنا عليها بعد بدايات تلك الأيام (حرب تشرين)، كانت تصطاد طائرات بني صهيون..

دفاعاتنا الجوية تنعش نفوساً ضاقت من الحرمان.. بشائر نصر تُمزق أعشاشاً عنكبوتية تملكتها مذ ساعة الهزيمة في حزيران.. حين ضاقت الصدور.. وانحنت الظهور.. يوم كسرت الأقلام.. جفت ثنايا العقول.. تلافيفها نضبت لم يبق فيها إلا مرارة الهزيمة التي خرّشت الحلوق والحناجر.

مع شمس ظهيرة العاشر من رمضان بدأت الأفواه تمتلئ بأرياقها لتبلل الحلوق الجافة (هي ماء الفرح) بوادر النصر لاحت، انتصبت القامات، فقرات أعمدة الظهور ارتفعت؛ لترفع رقاباً طال زمن طأطأتها.. الفيل يا ملك الزمان..

اليوم نصر يا ملوك الأرض.. اليوم تتكسر شوكة جيش الغطرسة (الذي لا يقهر).. لم ننزل للملاجئ نحن لا نهاب صافرات الإنذار، إنها تدعونا لملء الساحات، والصعود على سطوح المنازل والعمارات. (صلحها يا بوصالح) الاسم الذي أطلق على الصواريخ السورية؛ وهي تصطاد طائراتهم وصواريخهم كالعصافير..

كل يتتبع سقوط الطائرات الصهيونية لإدراك طواقمها وأسرهم، صور شهداء حزيران الأحياء منهم ومن سكنوا الجنان؛ كانت تشحذ حثيثاً ذاكرة وهمم الرجال والنساء وحتى الأطفال، لإلقاء القبض على طواقم طائرات بني صهيون (ثأر لا ينتهي)..

بدأ الصهاينة بطلب النجدة الأممية، لإيقاف حرب لم يختاروا ساعتها ولا زمنها، ولم يستعدوا لها رغم من نبههم من بعض خونة الأمة، إلا أن غطرستهم أعمت عيونهم وأقفلت عقولهم.. انتهى زمن النكسة.. وبدأ زمن النصر.. لابد نستعيد الذكرى لتأخذ مكانها ذواكر طيبة في عقول الشباب.

كيسنجر يخرج بخفي حنين اللذين جاء بهما ظناً أنه سيلبسهما عند خروجه، لكنهما بقيا تحت إبطه، ووجهه المحتقن من شدة فشلِ لم يعتده في أي من لقاءاته، مع قادة ومسؤولين عالميين إنه لقاء الرئيس حافظ الأسد الهصور يارجل.. كانت صورة خيبته بادية بوضوح تام على شاشات التلفزة.

القائد الذي لم تنكسر شوكته وخطط لثأر العرب وشعبه ونجح.. خَذَلَنا البعض بعد تقدم واسع أيام الحرب الأولى، توقفت الجبهة المصرية، ما أعطى الصهاينة قدرة وزمناً لنقل جنودهم إلى الجبهة السورية.. توقفت الحرب؟!.. فشل كيسنجر لم يوقع الرئيس حافظ الأسد على السلام..

تحررت القنيطرة ارتفع في ساحتها العلم الوطني، المسير كان على لحن جنازير الدبابات، أنشد السوريون في كل جغرافيتهم لحظتها، النشيد الوطني حماة الديار عليكم سلام. تظلهم أشجار اللوز والزيتون ويسمق معها النخيل.. كم كانت رائعة لوحة النصر، نعدك بنصر وفخر ونور..

حماة الديار لكم ألف سلام وأنتم تواجهون عشراً من السنين ارتفعت فيها عصا الموت الإرهابي، ليحيا أبناء الوطن وتبقى سورية عزيزة كريمة… مذ ذاك التشرين يخططون لتحطيم سورية!!. أربعون عاماً ونيّف من الازدهار والبناء والتطور، وهم يرسمون خرائط الهدم والقتل والتدمير..

شعب صمد سطّر أسطورة الحياة مهما غلا الثمن.. وطن سيادة مصونة.. إرادة لا تنكسر أعطت العالم دروساً في الحفاظ على قوة الوطن؛ رغم التهجير القسري والهجرة، مازال الوطن قائماً.. زرعوا الفساد في كل الحيثيات، جزء من مخطط التحطيم وصولاً للدولة الفاشلة؛ لكنهم فشلوا..

قانون قيصر.. حصار اقتصادي.. مغريات لاستقطاب دول العالم للعقول والنوابغ.. كورونا وما فعلت.. كل ما حدث ويحدث.. لا يمحو صورة نصر تشرين الذي قوى جيشاً عقائدياً؛ وحمّله مهمة الإصرار على النصر ضد الإرهاب في معارك الأرض والعسكرة والسياسة..

هو تشرين يعود وتعود معه الذكريات ومواسم النصر، لتنتج أغلى انتصارات قادمة تكتب على ذات الصفحات تحرير كامل الترب من أي محتل.. لتنبت فيه سنابل العشق وترتفع أوسمة النصر لا بد تعود يا ذات تشرين على صدور الصامدين . كما ارتفع العلم فيك على جبل الشيخ، لابد يرتفع على ذرا إدلب والجولان.

 

صحيفة الثورة – زاوية ( إضاءات ) 6 تشرين الأول / أكتوبر 2021م