السلطة الرابعة – 4e:
ليس عبثاً – على الأرجح – أن تتطابق كلمة ( غراب ) من حيث الأحرف مع كلمة ( غبار ) إذ يبدو أن التشابه ليس فقط بالأحرف واللفظ .. فهناك ملامح تشابه خفي لجهة جذر الكلمة وروحها التي تؤكد وجود معانٍ مشتركة بين الكلمتين وبين هذين الشيئين أو الكيانين المخلوقين ( غبار وغراب ).
فالغراب يثير بنعيقه الكثير من التشاؤم لقدرته – ولو إلى حين – بتغيير رتم الحياة وذلك عندما يخلق حالة وهمية بعيدة عن الواقع، فمن يسمع صوته الجهوري يقاقي ينسى الواقع أحياناً، ويميل باتجاه الشؤم والقلق، للظن بأن الخراب قادم رغم أن الوقائع تؤكد عكس ذلك، ولكن لا يلبث البعض إلاّ وأن يقعوا تحت هذا التأثير النفسي الوهمي ويذهبون بعيداً في تفكيرهم لدرجة أنهم لا يعودوا قادرين على رؤية المشهد كما هو أمامهم، فيحيّدون ما يرون ويصير المشهد ضبابياً بعد الركون إلى سماع النعيق.
وهكذا الغبار كذلك يُشوّش الرؤيا ويمنع الناس من القدرة على الإحاطة بالمشهد الذي يبدو ضبابياً ولا يعود كما هو، على الرغم من أنهم يدركون جيداً بأنه ثابت لم يتغيّر.
ليس لنا أن نركن إلى مثل هذه القدرة على التشويش والتضليل وسط ثبات المشهد والوقائع المختلفة فإننا بذلك نذهب باتجاه التيه والضياع، فمع سماع صوت الغراب على كل الشرائح أن تشير إليه إلى أنه غراب، وإرسال صقورها إليه سواء كانت صناعية أم تجارية أم سياحية، مثلما حصل مؤخراً في إحدى الاتحادات ومن سمع رئيس ذلك الاتحاد وهو يحلل ويوجه الحكومة يظن انه سيرفع عنها الثقة وانه ايقونة الهيه بالاقتصاد، وهو الفيسبوكي الذي لم نرَ منه الا التجييش والانتقاد والتذمر.. ( وحكي حكي حكي ) …
نرجو من المسؤولين عن الاتحادات لجم هذه الظاهرة السلبية التي اصبحت خطيرة على الاستثمار والتوجه الايجابي وهي تقتل الامل الذي حثَّ عليه سيد الوطن.
كما أن الصقور قادرة على وضع هذا الغراب المشؤوم عند حدّه، إمّا بطرده أو بحشره في الزوايا الضيقة وإخراسه، لتطمئن تلك الشرائح أن لا قِبَل لهذا الغراب أن يفعل شيئاً أكثر من بث الشؤم والقلق، والمزيد من الأوهام التي سرعان ما تبدّدها الوقائع.
عندما حاول بعض الغربان – في قطاع الأعمال – التمادي بنعيقهم والتجييش ورفع منسوب التشاؤم والمبالغة الشديدة بمزاعم النزوع للهجرة، وتمكنوا من تشويش الأجواء وأوشكوا أن يحجبوا الرؤيا عند البعض للمشهد القائم، كان موقفاً قوياً أن تصدّت لهم بعض الصقور في ذلك القطاع وبيّنت الحقائق، فأخرست ذلك النعيق بعد أن فضحت حقيقة الصوت، وتبدّدت المخاوف المتشائمة وتبيّن المشهد على حقيقته بأنه يحمل العديد من الانفراجات والأخبار السارّة المثيرة للتفاؤل.
وبالعودة إلى الغبار فمهما اشتد وعربد فإن زخّة مطر من صقور الغيم كفيلة بتبديده هو الآخر وتلاشيه.
لا أمل لغراب ولا لغبار بتبديل الوقائع مهما حاولوا تغييرها، لأن ثباتها بالنهاية أقوى .. وهي الأصل والجوهر الراسخ .. وهما العَرَضُ الزائل.