جديد 4E

سامحونا ع التقصير

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

تتهم الصحافة عموما من قبل الجهات الرسمية بالتركيز فقط على العيوب والنواقص والنظر بعين واحدة إلى الأمور، والاقتصار على رؤية النصف الفارغ من الكأس، كما تلام على “تقصيرها” في الإضاءة على “الانجازات” وعدم الاكتراث بالنصف الملآن من الكأس، وثمة مسؤولون يحمّلون الصحفيين والإعلام عموما مسؤولية الاستياء الشعبي المتزايد تجاه الأداء الحكومي، ويتهمونهم بتجاهل الظروف الخارجية الصعبة التي تعيق الأداء وتلعب دورا سلبيا في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، ودائماً يذكرون بالحرب والحصار والعقوبات الخارجية وقانون قيصر سيء الذكر.

لنكن واقعيين قليلاً فالإعلام الرسمي وكذلك الإعلام الخاص الممول من بعض الجهات الاقتصادية والرسمية – حيث لا يوجد إعلام حر لدينا ولا لدى غيرنا – لا يقصران البتة في تضخيم الانجازات الحكومية والإضاءة عليها وحقنها بالبوتكس “الإعلامي” بعد شفط دهون التصريحات والوعود المجانية المرافقة للزيارات والجولات الاستعراضية وتقديمها كمنجزات غير مسبوقة..!

لو فرضنا جدلاً أن الظروف الخارجية تتحمل 75 % من المسؤولية عما نعانيه كمواطنين، فهذا يعني أن هناك 25% من المسؤولية تقع على عاتق الجهات الرسمية صاحبة العلاقة، فلو تم العمل بإخلاص وتفان ومسؤولية في كل مواقع العمل لتقلصت المعاناة بمعدل الربع، غير أن الفساد المستشري في معظم مواقع العمل والمفاصل الادارية – إن لم نقل جميعها  – يفرغ الكأس من نصفها المملوء تماماً ويطيح بكل “الشفافية” التي يتغنى بها الكثير من المسؤولين..!

هل يعلم أصحاب نصف الكأس “المملوء” أن الشارع يتهم الصحافة بالتقصير في شرح معاناته والمطالبة بحقوقه، وسبب هذا الاتهام هو استمرار المعاناة وتفاقمها في أمور عديدة، فماذا لدى الصحافة لتقوله في موضوع الأسعار التي تقفز برشاقة قرد في كل ساعة دون حسيب أو رقيب، مع ثبات القدرة الشرائية للموظفين والعاملين في الدولة على عتبة الجوع،  وماذا تقول في موضوع الغاز إذا كانت المخصصات الشحيحة “الجرة العتيدة” تتأخر لأكثر من شهرين ونصف، في الوقت الذي تتوفر بكثرة في السوق السوداء وبأسعار خيالية، أكثر من مئة ألف ليرة سورية للأسطوانة الواحدة وعلى عين الرقابة التموينية ..؟!

وماذا لدى الصحافة لتبرره في موضوع الخبز بعد أن أصبحت الوزارة المعنية تحسب عدد لقمات كل مواطن بالقلم والمسطرة وأحيانا بالقطارة في الوقت الذي يتوفر الخبز الحر مع باعة جوالين أو ملاصقين للفرن وبأسعار قياسية (مابين 1000 و1500 للربطة الواحدة ) حيث لا تنقطع إمدادات الباعة “الجقرين” لحظة واحدة، وماذا تقول عن ربطة الخبز التي فقدت ثلث وربما نصف وزنها نتيجة التلاعب داخل الأفران، وماذا عن الخبز الرديء الذي تنتجه بعض الأفران ولا يصلح علفا للدجاج..؟!

ثم ماذا لدى الصحافة لتدعيه بشأن مخصصات وقود التدفئة التي انخفضت حصة الأسرة الواحدة منها خلال عام واحد إلى الربع (من مئتي ليتر إلى خمسين فقط) علما أن هناك أسر كبيرة تحتاج أكثر من ضعف هذه الكمية  لمواجهة برد الشتاء وخاصة في الأرياف، وهل لدى الجهات الرسمية حل لمعضلة السرقات التي يقوم بها أصحاب الصهاريج جهاراً نهاراً والتي تصل أحيانا إلى ربع الكمية المعبأة، فهل ثمة من يدعي أن هناك أسباب خارجية وراء ذلك، فهل باعة الخبز وموزعو الغاز والمازوت جهات خارجية أم مواطنون سوريون..؟!

ورغم ذلك لا يسعني إلا أن أشهد لوزارة النقل ومؤسسة النقل الداخلي بامتلاء الكأس “فالباصات” الخضراء الجميلة والملونة مملوءة وطافحة بالركاب ولا يمكن لأحد أن يغمض عينيه عن هذا الانجاز، أما وزارة المالية فهي لا تقصر البتة في تحصيل الضرائب والرسوم من جيوب المواطنين مقدمة الاعفاءات والتسهيلات لحيتان السوق، وحين يجري الحديث عن تحسين الأحوال المعيشية وزيادة الرواتب نواجه بعبارة ” حسب الإمكانات المتاحة”..!

عذرا من باقي الوزارات والجهات الرسمية فقد نسينا أن نسرد إنجازاتها “العظيمة” وخاصة وزارة الكهرباء .. وأرجو من الجميع  أن يسامحونا على التقصير..!