جديد 4E

من وضع عقولهم داخل الصندوق؟

وصال عبد الواحد – السلطة الرابعة :

الكثير منّا يسمع عن مصطلح التفكير خارج الصندوق، والمستخدم على نطاق واسع في بيئة الأعمال، والذي يمكن تعريفه باختصار على أنه القدرة على الخروج بأفكار خلّاقة ومبدعة، والاستجابة بمرونة للتحدّيات الصعبة والمشاكل التي تواجهنا في الحياة على الصعيدين (الشخصي والعملي).

إذاً هي عكس فكرة الصندوق المغلق الذي يعني بقاء ما هو موجود على ما هو عليه، وعدم التفكير في التغيير، أو إيجاد البدائل والحلول بدلاً من الاستسلام لنمط محدّد من الحياة في جميع المسارات مع الاكتفاء بتقديم الأعذار والتبريرات التي لم تعد مرضية لأي أحدٍ في ظلّ هذه الظروف المتعبة التي نعيشها جميعاً.

والأمثلة على ذلك قد تكون كثيرةّ اليوم، فبينما نحن نضيّع ساعات طويلة في الوقوف أمام الأفران والكازيات، هناك شخصٌ ما في انكلترا يكفيه ربع ذلك الوقت كي يشرب الشاي ويتصفّح الجريدة التي يحبّ على أريكته الجلديّة الكبيرة. وبينما نحسب ما تبقّى من يومنا بعد ساعات طويلة أخرى من انتظار وسائل النقل العامّة أو سيارات الأجرة الخاصّة، نجد فتاة في أميركا تقرأ روايتها المفضّلة للمرّة الثالثة. وبينما تذبل زهرة شبابنا سنةً تلوَ الأُخرى على أمل تسريحهم من الخدمة العسكريّة، هناك شابٌ في باريس يجثو على ركبتيه أمام برج إيفل ليعلن حبّه لفتاةٍ جميلة ويخطّطان سويّةً لمستقبلهم الذي يريدون.

وخلال قضاء ساعات النهار في العمل الذي لا نحبّه، لأنه لا توجد لدينا فرصة أخرى للعمل في الأماكن التي تلبّي لنا احتياجاتنا وتليق بإمكانياتنا وطموحاتنا، هناك عجوزٌ في ألمانيا على وشك تجربة القفز المظليّ من ارتفاعات شاهقة، لأنه حقّق جميع أحلام شبابه ولا يزال يرغب بالمزيد. بينما ننظّم جميع مواعيد حياتنا على الأوقات التي ستلمع بها الكهرباء لساعة متواصلة. هناك عائلة في إيطاليا لديهم يوم عطلة يزورون به المتاحف والسينما أو يتنزّهون في الحدائق والغابات.  بينما نقصّ الأشجار لنزرع محاصيل أكثر ملائمة لجيوبنا الفارغة، هناك في هولندا يقيمون مهرجانات للاحتفال بكلّ وردة.

وهنا لا يزال أباؤنا ممن وصلوا إلى خريف العمر يستيقظون في كلّ يوم على أخبار حزينة كخبر إغلاق مكتبة نوبل في دمشق قبل عدّة أيام مثلاً، أو قرارات مفاجئة لسفر آخر أبنائهم لينضمّ هو أيضاً إلى قائمة إخوته الذين سبقوه إلى بلاد الله الواسعة، بينما نجد أن هناك أبٌ وأمٌ في مكانٍ ما قريبٍ أو بعيد ينتظرون عطلة نهاية الأسبوع ليتمكّنوا من رؤية أولادهم وأحفادهم كي ينعشوا أرواحهم بضجيج أصواتهم وضحكاتهم التي تملأ المكان.

وإلى الشرق قليلاً.. ها هي الإمارات تمنح البطاقة الذهبية لبعض السوريين من فنانين مميّزين وغيرهم من أصحاب القدرات والكفاءات في خطوة منها لتحقيق تنمية في استثمار الوقت بشكل فعّال، ومصر أيضاً تستقطب الكفاءات والشباب والمؤهلات العلمية والفعاليات التجارية والصناعية ورؤوس الأموال السورية في خطوة لتحقيق مكانة مميّزة في أفريقيا والشرق الأوسط لتدعم اقتصادها وترفده بدماء جديدة ليحقّق لها مزايا تنافسية إضافية.

ونحن هنا غارقون بقصة الموز والخبز والسكّر والفيول والمواصلات والمؤتمرات واللقاءات والظهور الإعلامي الاستعراضي وانتظار المجهول.

مؤلمٌ جداً إدراك أننا نحظى بعمرٍ واحد نهدره هنا في وطننا الذي نحبّ ونعشق، بينما الحياة تفوتنا في كلّ بقعةٍ من الأرض.