جديد 4E

زغاريد في آخر الليل..!

 

 عبد الحليم سعود:

كانت الكهرباء مقطوعة ( بالمناسبة هي شبه مقطوعة دائما) حين اشتعلت الحارة بصوت الزغاريد القادمة من بيت جارتنا الأرملة، تكرار الزغاريد أخرجت معظم الجيران إلى الشرفات والأسطحة متسائلين عن السبب، للوهلة الأولى اعتقد البعض أنها رزقت بعريس ولاسيما أن المرحوم زوجها مات ولم يترك لها سوى بيت دمرته الحرب لا يصلح للسكن، ولكن إحدى الجارات أكدت أن الموضوع مرتبط برسالة الغاز التي جاءتها بعد أكثر شهرين من الانتظار ثم أردفت “جرة الغاز هذه الأيام أهم من العريس”..!

دقائق من الترقب والتخمينات ولم تتضح الصورة بعد ما دفع أحد الجيران للقول : لا بد أن الجارة فرحة بالرسالة التي جاءتها من إحدى شركات الخليوي والتي تبشرها بدخولها السحب للفوز بالملايين وما عليها سوى إرسال رسالة فارغة لتأكيد اشتراكها بالسحب المنتظر.. ثم فتح جواله مؤكداً أن الرسالة وصلته أيضاً..!

في هذه الأثناء وصلت إحدى الجارات ويبدو أنها استطلعت الخبر اليقين، فالتفت إليها الجميع محاولين معرفة سر الفرحة العارمة في بيت صاحبة الزغاريد فقالت بثقة: لقد جاءها خبر يؤكد أن ولدها قد وصل لتوه إلى مطار كابول في أفغانستان..!

مطار كابول ..أفغانستان؟!! قال الجميع بدهشة.. هل يعقل .. هل جُنّت المخلوقة.. وهل هناك عاقل يفرح إذا سافر ولده إلى أفغانستان في هذا الوقت العصيب.. ألا تعلم أن الأوضاع هناك مضطربة جداً.. انسحاب أميركي وغربي فوضوي وغير مدروس.. حالات إجلاء خطرة وحوادث سقوط من الطائرات.. حركة طالبان تسيطر على الوضع العام ..فوضى في المطار.. تفجيرات انتحارية.. رعب في كل مكان.. وثمة احتمال أن يتدهور الوضع الأمني أكثر فأكثر مع حضور داعش بقوة…وفيما وجه معظم الجيران سهام لومهم وغضبهم للجارة على هذا الفعل الطائش المتهور.. أكد أحدهم أن ما قامت به هو تصرف ذكي وهو عين الصواب..!

لتنتقل الدهشة سريعاً على تصرف الجارة إلى ما قاله الجار.. فسأله أحدهم مستنكراً :

– وكيف هو تصرف ذكي وعين الصواب ..؟!

– كل الدول الأوروبية المشاركة في الحرب تجلي رعاياها والمتعاونين معها، وهناك تنتظرهم فرص أفضل للحياة والعمل..!

– وماذا ستستفيد الجارة من إرسال ابنها إلى هناك..؟!

– سيهاجر مع المهاجرين إلى أوروبا أو أميركا ..ومن هناك يرسل لها حوالات شهرية تمكنها من العيش بكرامة إلى حين تمكنه من لم الشمل معها..!

– عجيب.. وكيف جمعت الملايين واستطاعت أن ترسل ابنها إلى هناك.. فأقل سفرة خارج البلد تكلف ملايين الليرات..!

وهنا نظر إليه الجميع بازدراء وقالوا له: كان عليك أن تسأل لماذا تغامر امرأة أرملة بإرسال ابنها الوحيد إلى مطار كابول رغم كل الخطر المحدق به هناك، ولماذا غامر مئات آلاف السوريين وركبوا البحر ومخاطره بحثاً عن اللجوء إلى دول أوروبا..؟!

وفيما واصل الجيران حوار آخر الليل على ضوء جوالاتهم المشاغبة.. استأنفت الجارة زغاريدها على أمل أن تصلها أول حوالة بريدية من ولدها تمكنها من دفع بدل إيجار المنزل المستأجر..!