جديد 4E

مؤشرات.. بين الثبات والتراجع

*علي نصر الله:

خلافاً للتسريبات التي حاولت – إلى جانب تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية – رسم صورة ورديّة لزيارة نفتالي بينيت إلى واشنطن ولقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، كان هناك تسريبات وتصريحات أخرى خَلقت بيئة مُختلفة رسّخت انطباعات في الاتجاه المُعاكس، ذلك أن الكثيرين قالوا في تَقييم الزيارة والمُباحثات: إنّ بينيت حصل على صورة مع بايدن، ليس أكثر.

بينيت الذي أكد أن أهداف الزيارة تم تَحقيقها، قدّم في تصريح آخر ما يُشير ربما إلى تواضع ما تَحَقَّق، ذلك عندما كشفَ عن أنه عرضَ على بايدن العمل على خطة بديلة بشأن إيران تسير على التوازي مع الدبلوماسية، وربما يكون أقصى ما حصل عليه في هذا السياق تَعيين واشنطن دان شابيرو كمنسق للاتصال وكمستشار للمبعوث الأميركي الخاص بإيران روب مالي.

في الموضوعات الأخرى التي احتلت مساحة مُوازية في مباحثات بايدن – بينيت، ربما لم تكن النتائج أفضل لبينيت، لطالما حضرت الأوضاع الفلسطينية الاقتصادية على الطاولة إلى جانب الأمنية، وليست مسألة حي الشيخ جرّاح إلا المثال الذي يؤكد صعوبة الحالة التي يُعانيها بينيت بالمُقارنة مع ما كان يتمتع به سلفه نتنياهو، وهو ما يُشير إلى تعقيدات للموقف بين الجانبين تُولد في هذه الأثناء، في وقت كانت فيه طموحات “صفقة القرن” ومسألة التطبيع كبيرة، فيما كانت – وستبقى – الرخصة الأميركية بمُمارسة القتل والإرهاب غير مُقيدة ولا مَشروطة.

من المُؤكد أنّ التبني الأميركي لسياسات الإرهاب الصهيونية ما زالت قائمة ولم تتغير بمعنى التغيير، ومن الثابت أنّ الدعم الأميركي للحكومات الإسرائيلية وسياساتها في الاستيطان وترسيخ الاحتلال لم يَتوقف مرّة ولن يتوقف اليوم، غير أنّ التباين الواضح في لقاء بايدن – بينيت عنه في لقاءات نتنياهو مع الإدارات الأميركية السابقة ربما يعود لأسباب تتعلق بمكانة الأشخاص وبالمُتغيرات في خريطة الكنيست والحكومة والأحزاب الصهيونية من جهة، وتتعلق من الجهة الأخرى بوضع أميركا ذاتها لجهة أزماتها المُتفجرة لا سيما مع خروجها من أفغانستان، ومع واقع حدوث العديد من المُتغيرات الدولية والإقليمية في الصين ومعها في إيران وبملفها النووي، في روسيا والدول السوفيتية السابقة، على أنّ ذلك التباين لا يعني بالتأكيد تَراجع سياسات الدعم والتبني الأميركية للمشاريع الصهيونية.

عاموس يادلين رئيس الاستخبارات الصهيونية الأسبق ربما يُلخص المَخفي في بحث بينيت – ومن قبله نتنياهو – عن مَوقف أميركي يُلبي الرغبة الإسرائيلية بقوله: لدى إسرائيل الرغبة الكبيرة بخيار عسكري ضد إيران لكنها لا تمتلك القدرة، وهو ما بحثت عنه مراراً وتبحث عنه حالياً في واشنطن التي عاد منها بينيت بحقيبة مُتواضعة المُحتوى ليس لأنّ أميركا لا تَمتلك الرغبة ذاتها، إنما لأنها أيضاً ليس لديها القُدرة وتَخشى المُغامرة التي قد تَقودها إلى ما لا يَنقصها من متاعب قد تُهيئ ربما لخروج مُذل آخر لها من المنطقة.

المُؤشرات الأولية لنتائج زيارة بينيت إلى واشنطن لا تَخرج عن مُرتسمات المَدى الذي يَتلخص “بامتلاك الرغبة وعدم امتلاك القدرة” وتكاد لا تُلامس مَعاني الثّبات والتراجع، ذلك أنّ ما يَربط الجانبين عَميق واستراتيجي، وذلك أنّ نقاط التلاقي بينهما ستَبقى أكثر، وأكبر من أيّ تَباينات ربما تَظهر اليوم على نَحو مُختلف عنه في السابق لأسباب مُتعددة منها، وأهمها، ربما ما يبدو اليوم لجهة أنّ الحسابات الصهيونية قد لا تتطابق حالياً مع حسابات واشنطن الغارقة في ملفات دولية كثيرة كُرمى لعيون إسرائيل وفقط إسرائيل!.

 

صحيفة الثورة – الافتتاحية – بقلم: *رئيس التحرير – 31 آب / أغسطس 2021م