زياد غصــن :
بين الفينة والأخرى تطرح الجهات الحكومية مجموعة من الأرقام، تحاول من خلالها إظهار عملها، أو الرد على الانتقادات الموجهة إلى أدائها… وأحيانا يكون ذكرها من باب “المنية”.
هذه الأرقام قد تكون قريبة من الواقع،… وقد تكون غير ذلك لأسباب كثيرة لست بوارد تناولها في هذه الزاوية، التي أخصصها لمناقشة أمر آخر مرتبط بالأرقام الحكومية.
إذ لا معنى لكل ما يطرح من أرقام إذا لم يشعر المواطن بانعكاسها المباشر على حياته، أو إذا لم تنبع تلك الأرقام من الواقع الذي يعيشه يومياً.
ولأن مثل هذا الطرح متشعب، فإنني أطرح مثالاً محدداً لحصر النقاش ضمن الفكرة المراد إيصالها إلى القارئ.
هناك أرقام كثيرة تطرح مثلاً حول حجم الخبز المدعوم المنتج يومياً أو زيادة الإنتاج التي تقر أحياناً، حجم إنتاج البلاد من الخضار واللحوم والبيض وغيرها من السلع الغذائية الأساسية، حجم المشتقات النفطية المطروحة في السوق المحلية، وغير ذلك.
ومن يقرأ مثل هذه الأرقام، يعتقد أن الأمور بخير، وأن جميع المواطنين يحصلون على احتياجاتهم من تلك السلع والمواد من دون عناء، أو من دون الاضطرار إلى دفع تكاليف إضافية، في حين أن المنطق والموضوعية يفرضان ضرورة مقاربة تلك الأرقام من زاوية هامة، تتعلق بقدرة المواطن على الوصول إلى تلك السلع.
للتوضيح أكثر… إعلان وزارة التجارة الداخلية عن زيادة مخصصات المخابز من مادة الطحين، لا يعني بالضرورة أن جميع المواطنين استطاعوا الاستفادة من تلك الزيادة، فهناك شريحة لم تتمكن من استجرار مخصصاتها اليومية نتيجة الازدحام الكبير الحاصل على كوات بيع المادة، وهناك شريحة أخرى قد لا تساعدها ظروفها المادية على ذلك..
أي أن المؤشر الحقيقي يتعلق بقدرة المواطنين على الوصول إلى السلع والمواد المنتجة، سواء كان ذلك لأسباب مادية مرتبطة أساساً بضعف دخول الأفراد والضغوط المعيشية المتزايدة، أو كان لأسباب إدارية وتنظيمية تحول دون حصول كل شخص على احتياجاته من هذه السلعة أو تلك.
فماذا يعني القول: إن 50% من الأسر السورية حصلت خلال السنوات الماضية على معونات إغاثية، هذا في وقت أن هناك أسراً نازحة محتاجة وفقيرة جداً لم تتمكن من الوصول إلى مخصصاتها من تلك المعونات..!
أو ماذا يعني القول: إن الأسواق المحلية مليئة بالسلع والمواد المختلفة، وهي لم تشهد غياباً لأي سلعة، لكن ما نسبة السوريين القادرين على شراء تلك السلع والمواد؟ أو ما نسبة الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى الأسواق لعدم توفر المال اللازم أو لصعوبة الأوضاع الأمنية والإدارية!؟
لذلك… فالأولوية الحكومية هي لتتبع ما وراء أرقامها الإجمالية، لجهة حجم انعكاسها فعلياً على حياة السوريين ومعيشتهم، ومدى تحقيقها للأهداف والغايات التي وجدت من أجلها تلك الأرقام.. وقلت أولوية لأن ما يحدث اليوم هو عكس ذلك تماماً!