جديد 4E

الله يحفظها..!

 

 عبد الحليم سعود :

جرّبت في الفترة الماضية أن أخفف قليلا من انتقاداتي لسلوك وأداء الحكومة على اعتبار أنها تعاني كما نعاني – هكذا يصرح بعض المسؤولين – فنحن وإياها في خندق واحد ضد الإمبريالية والرجعية والاستعمار (على حد علمي) ..ولكن أحيانا تصدر عنها قرارات “ليلية” – والكهرباء مقطوعة – تجعلني أشك بنظرية الخندقة  وخاصة ما يتعلق بقرارات (تحريك) أو (تعديل) بعض الأسعار، وأخشى أنها متجهة – دون دراية أو تفكير – إلى (دعم) الفقراء ووضعهم في خندق انفرادي.!

ما دعاني إلى كتابة هذه الزاوية هي القرارات غير الحكيمة برفع سعر الخبز والمازوت، صحيح أن الخبز مازال “مدعوماً”، ولكن لا يمكن الحصول عليه إلا بالكثير من “الدعك”  عند الأفران، وليت “جهابذة” الدعم يسألون عن السعر الحقيقي لربطة الخبز بجانب الأفران، أو يطلعون على واقع الأفران وأسلوب العمل والنظافة بداخلها، أو يرون الطوابير والازدحامات حولها، أو يشاهدون كيف استغل ضعاف النفوس قراراتهم العمياء بكل عيون وقحة،  ولن ندخل في الجدل البيزنطي  حول كيف يدبر الفقراء أنفسهم وسط هذه العصفورية..!

هذه الآلية في اتخاذ القرارات تدل على إشكالية مزمنة في آلية ونمط التفكير وجهل بالتداعيات المتوقعة.. وتؤشر فيما تؤشر إلى ابتعاد الحكومة عن معاناة الشعب الذي تحكمه، مع أن بعض أعضائها يدعون – والعلم عند الله – أنهم منخرطون بنفس المعاناة ويعيشون نفس الظروف الصعبة مع بقية أفراد الشعب..!

أسواقنا فيها العجب العجاب، فالأسعار بدون مبالغة تفوق الخيال، وكلٌ يسعر وفق غريزته وجشعه ولا من حسيب أو رقيب، ولو أراد الفقراء أن يكسوا أنفسهم وعائلاتهم في ظل الموضات الدارجة والأسعار الباهظة لفضل البعض منهم العودة إلى عصور ما قبل التاريخ “ربي كما خلقتني”، وحسنا فعلت بعض دور الأزياء باختراعها موضة البنطال “المشقشق” لعلها تشجعهم على ارتداء ما اهترأ من أسمالهم البالية.

أتوقع خلال سنوات قليلة إذا بقيت العقلية الاقتصادية على هذا النحو، أن نتحول إلى بلد غني جدا ليس بسبب كثرة الموارد والإنتاج وإنما بسبب موت أو هجرة الفقراء، شرط  ألا يزاحمهم الأغنياء وتجار الأزمات  على الهجرة…!

منذ أيام كنت على أحد الأفران المزدحمة حيث الفوضى والمشادات الكلامية والمشاجرات والعراك  وحيث يأخذ “المدعومون” مخصصاتهم من “الدعم” ..ومثل العادة ثمة من يأتي على سيرة الحكومة وقراراتها الأخيرة كي يفش خلقه أو يجمع “لايكات” مثل فرسان الفيسبوك..فقال عجوز متقاعد فوق السبعين بصوت مخنوق “يا رب يصير زلزال وياخد نص العالم “… فرد عليه شاب ملتحي: الحكومة ناقصها كوارث ومشاكل لحتى تطلب زلزال؟ فتنفس العجوز بصعوبة بالغة ثم قال: الحكومة الله يحفظها..!!!