زياد غصن
البيانات الإحصائية التالية تخص محافظة دمشق:
قرابة 45% من أسر المحافظة تعاني بنهاية العام الماضي من عدم قدرتها على توفير الغذاء بالكمية والنوعية اللازمتين..
حوالي 46% من أسر المحافظة خلال الفترة نفسها مهددة مع أي صدمة بفقدان أمنها الغذائي..
وفقط 8.3% من إجمالي الأسر كانت آمنة غذائياً..
هذا يحدث في محافظة لها خصوصية وأهمية جعلتا منها مركزاً اقتصادياً وتجارياً أساسياً، وتالياً فالبيانات السابقة يفترض التعامل معها حكومياً من منظور مختلف في هذه المرحلة، لا كما يحدث حالياً، وكأن هذه البيانات غير موجودة، أو أن سكان العاصمة لم يتضرروا جراء تأثيرات الحرب!
فإذا كانت الحكومة بمؤسساتها ووحداتها الإدارية غير قادرة على اتخاذ خطوات فعالة لدعم الأسر المحتاجة والفقيرة وتحسين الأوضاع المعيشية في العاصمة، فعلى الأقل يفترض ألا تستفز الرأي العام بتنفيذها لمشروعات ليست بذات أولوية حالياً…
فمثلاً… هل كان من الضروري ما تقوم به المحافظة منذ فترة من مشروعات لتبديل أرصفة لاتزال بحالة مقبولة، تزفيت طرق وشوارع، إعادة تأهيل أسواق شعبية… وغير ذلك، هذا في وقت هناك أسر كثيرة في دمشق لا تجد ما تقتات عليه أو ضاقت بها سبل العيش لدرجة “الخنق”..؟
ثم هل مشروع المواقف المأجورة المرهق للكثير من المواطنين ستكون غايته أخيراً تمويل مشروعات من قبيل تبديل الأرصفة وتزفيت الطرقات وغير ذلك؟
لا أعتقد أن هذه المشروعات تمثل أولوية اليوم… ولا أعتقد أن تأجيلها للعام القادم كان سيشكل نقطة ضعف تسجل على أداء المحافظة… ولا أعتقد أن الحكومة كانت ستمانع لو خصصت المحافظة اعتمادات تلك المشروعات لدعم تحسين النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتالياً توسيع دائرة المساعدة للأسر الفقيرة والمحتاجة… وما أكثرها.
الأجدى كان أن تخصص تلك الاعتمادات أو جزء منها لدعم المراكز الصحية لاسيما بعد ارتفاع أسعار الأدوية، أو لدعم أنشطة الجمعيات الخيرية العاملة في النطاق الجغرافي لمحافظة دمشق، أو لمساعدة الأسر على إيجاد مصادر دخل وتأسيس مشروعات صغيرة خاصة بها….الخ.
ففي النهاية الوحدات الإدارية يجب ألا تحصر اهتمامها ومسؤولياتها بالجانب الخدمي “التجميلي” فقط، فهناك جانب اقتصادي واجتماعي أكثر فائدة يجب منحه المساحة التي يستحقها من الاهتمام والعمل بالتنسيق مع جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص… وإلا كيف سيتم تجاوز هذه المرحلة المأساوية؟
ربما ما يحدث في المحافظات الأخرى قد يكون في بعض جوانبه أكثر استفزازاً، أو أنه يثير في جوانب أخرى ارتياحاً شعبياً، فالمهم لم يعد نسب التنفيذ المتحققة، وإنما ماهية العمل المنفذ ومدى إسهامه في التخفيف من قسوة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها البلاد.
وما ينطبق على مشروعات تبديل الأرصفة وتزفيت الشوارع داخل المدن ينطبق على مشروعات حكومية أخرى كثيرة كالطرق المركزية والدولية التي ينفق عليها بالمليارات سنوياً، وهي لا تزال من دون المستوى المطلوب من حيث الأمان والخدمات… الخ.
باختصار…
إذا كانت بعض الجهات لا تملك المبادرة والإرادة لتقدير معاناة أسر كثيرة تجهد لتأمين أبسط مقومات الاستمرار بالحياة ومساعدتها، فعلى الأقل لتتجنب استفزاز الشارع الشعبي بإجراءات وخطوات تشعر المواطن أنه بلا قيمة… وبلا وجود.