جديد 4E

اشتدي تنفرجي

 

مصطفى المقداد

خلافاً لهذا المفهوم ولهذه الحقيقة ، يبدو المشهد السوري اليوم وكأنه يستعيد الأيام الأولى للعدوان على الشعب السوري ، فبدلاً من البحث عن مخارج سياسية لهذا الصراع الدولي والعدوان الموصوف ، نجد عشرات التصريحات السياسية تتجه نحو دعم العدوان غير مهتمة لنتائج السنوات الماضية من العدوان وما تركته من حقائق ومعطيات في الواقع الميداني ، فضلاً عما أنتجت من متغيرات سياسية على مستوى العالم كله بعامة، وعلى مستوى الإقليم بخاصة.

ولعلّ المعطيات السياسية والإعلامية الظاهرة لا تعطي أي أمل في الدخول في عملية سياسية جادة لوضع حدّ لهذا العدوان الغربي الإرهابي ، بعد أكثر من عشر سنوات من إطلاق أعماله العدوانية ضد سورية والمنطقة العربية ، فهل ثمة سبب موضوعي واضح لهذا الحال؟ ولماذا تتصاعد التصريحات المعادية لسورية خلافاً للمنطق والواقع ؟ ولماذا يتجاهل الغرب الاستعماري القوانين والأعراف الدولية ويضرب بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة عرض الحائط ، ولا يقيم وزناً لحقوق الأمم والشعوب في خياراتها السياسية؟

باعتقادي أن السوريين صدموا من مجريات ونتائج قمة جنيف الروسية الأميركية ما بين الرئيسين بوتين وبايدن ، إذ ان الملف السوري كان ثانوياً وتالياً في تلك المحادثات ، وتركز الاهتمام الأميركي على موضوع المعابر الإنسانية المزعومة وفق التعبير الأميركي ، فما يريده بايدن في هذا الشأن كان ضمان عدم استخدام روسيا لحق الفيتو بمواجهة مشروع القرار الأميركي الذي يتم الإعداد له لتقديمه لمجلس الأمن ، والذي يخالف أبسط قواعد القانون الدولي ويتنكر للوقائع على الأرض ويكابر بالواقع والمحسوس والمعاش ، فكيف لدولة عظمى أن تعمل على إدخال المساعدات الإنسانية المزعومة لمناطق الشمال السوري عبر المنافذ والمعابر مع تركيا بالتعاون مع الحكومة التركية ، ورفض التعاون مع الحكومة السورية التي واجهت الإرهاب وانتصرت عليه ودمرته ودحرته وأخرجته من معظم المناطق التي اجتاحها ودنسها بالتعاون مع هذا الغرب الاستعماري ذاته والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص .

معروف أن الملف السوري يحتل مكاناً متأخراً في تسلسل اهتمام وتركيز إدارة بايدن ، لكنّ قمة جنيف أسقطت كل المزاعم الأميركية بشأن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والدول في خياراتها السياسية الخاصة بها بعيداً عن أي ضغوط أو ترهيب ، فحاملة شعار تلك الحقوق هي أول من يتنكر لها ويتجاهلها ويعمل على هدمها ، وهذا هو السلوك الأميركي تجاه العالم كله ، لكنه تجاه سورية اليوم يأخذ شكلاً أشد فجوراً وأكثر عدوانية .

ثمة مجريات على الأرض عارضت التوقعات الأميركية والغربية وأسقطت مخططاتها الأخيرة ، إذ لم يجد الحصار والعقوبات الاقتصادية والتهديدات المستمرة المترافقة مع ماكينة إعلامية ونفسية شيطانية، لم تجد نفعاً في إضعاف حالة التماسك الشعبي المؤمن بوحدة بلده والمتمسك بسيادته والمستعد للتضحية والفداء وتقديم الغالي والنفيس بعد كلّ هذه السنوات من العدوان، فكانت المشاركة السياسية الكبيرة في الانتخابات الرئاسية تمثل الرد القوي والصارخ لتلك القوة والتماسك الوطني ، قبل نتيجة الخيار في انتخاب الرئيس بشار الأسد بنسبة كبيرة ، الأمر الذي يعني فشل الأهداف البعيدة للعدوان.

ورغم المتغيرات الإقليمية المتمثلة في رغبة العديد من الدول العربية والأوروبية باستعادة العلاقات مع سورية ، إلا أنها تواجه الرفض الأميركي المستمر الذي يحمل خلفية واحدة، وهو أن سبب هذا الرفض يخدم الكيان الصهيوني وحده ويعكس رغبته وحده وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأميركية تمثل وجهة النظر الصهيونية فقط في موقفها من سورية وذلك ما يبرهن ويؤكد أن الصراع الحقيقي إنما هو صراع عربي- صهيوني ، تمثل سورية وحدها اليوم عمق الأمة العربية بجوهرها وثقافتها ، فيما تقود الولايات المتحدة الأميركية معسكر الصهيونية المعتدي.

إن سورية التي صمدت وواجهت وكشفت كل أكاذيب الغرب الاستعماري ، والتي حافظت على تماسكها ووحدتها ، والتي قدّم شعبها أروع الأمثلة في التضامن والتضحية والفداء ، هي على استعداد لمواجهة كلّ الضغوط واحتمال نتائج الحصار والعدوان وقادرة على اجتراح حلول ومخارج لكلّ الأزمات الناجمة عن العدوان والعقوبات والحصار ، لأن ضريبة الهزيمة والسقوط لا يمكن مقاومتها بضريبة الصمود ومواجهة العدوان ، والذي سيكون النصر نتيجته المؤكدة ، وهو ما ينتظره الشعب السوري ويعرف أنه قادم.

 

صحيفة الثورة – زاوية ( معاً على الطريق ) 27 / 6 / 2021 م