جديد 4E

وإنفاق الحكومة أيضاً!

 

زياد غصن

أكثر ما يشغل اهتمام الحكومة هذه الأيام هو كيف يمكنها تأمين المزيد من الإيرادات للخزينة العامة.

وعلى اعتبار أنها منذ اليوم الأول لتسلمها مهامها  تعتبر نفسها مؤقتة، وتتعامل على هذا الأساس مع معظم الملفات الرئيسية، فكان من الطبيعي أن تلجأ الحكومة إلى أسهل الطرق وأسرعها لتحصيل ما يمكن من إيرادات وتخفيض ما تدفعه، بغض النظر عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك.

وأعتقد أن قرارات الزيادة التي تمت خلال الفترة الماضية على أسعار السلع والمواد المدعومة، وتكثيف عمل الجمارك والمالية هو تجسيد عملي لتلك السياسة.

حجة الحكومة في كل ذلك تتمثل في مواجهة زيادة النفقات العامة، لكن من دون أن توضح ماهية تلك النفقات، ضرورتها، والخطوات المتخذة لضبطها استناداً إلى نتائج تقييم تنفيذ الموازنة العامة للدولة، والمفترض أن يتم بشكل دوري..!

إذ أن زيادة الإيرادات ستكون بلا جدوى ما لم تترافق مع مراجعة دائمة لعملية الإنفاق الحكومي، والتي يشوبها بنظر كثيرين شكوك دائمة بالهدر والفساد.

فماذا تقول الأرقام في هذا المجال؟

وفق موازنة العام 2021، فإن النفقات العامة الموزعة على خمسة أبواب من المخطط أن تزداد بنسب 113%، أبرزها نفقات الباب الرابع (النفقات التحويلية، الدعم الاجتماعي) والتي يقدر أن تزداد بحوالي 667%، ثم الباب الثاني (النفقات الإدارية) بنسبة 54%، فالباب الخامس (الديون والالتزامات الواجبة الأداء) بنسبة 49%، وفي المرتبة ما قبل الأخيرة يأتي الباب الأول (الرواتب والأجور والتعويضات) حيث تشير التقديرات إلى أن زيادته ستكون بنسبة 48.4%.

ومع قناعتي أن جميع النفقات الحكومية تحتاج إلى إعادة هيكلة وضبط لاعتبارات عدة، إلا أنني سأتطرق هنا إلى باب قلما يجري تناوله بالتحليل، وأقصد هنا باب النفقات الإدارية، والذي تشير تقديرات الموازنة إلى أنه قد تشهد نفقاته زيادة تقدر بحوالي 182.5 مليار ليرة مقارنة بتقديرات موازنة العام 2020، لتصل بذلك التقديرات الإجمالية لنفقات الباب إلى أكثر من 519 مليار ليرة، وهو من دون شك رقم كبير!

هنا أكاد أجزم أن الحكومة باستطاعتها أن تخفض إلى حد ما من نفقات البنود المختلفة في هذا الباب ولست مبالغاً في ذلك، على الأقل لإقناع المواطن أن خطوة زيادتها لأسعار بعض السلع المدعومة مثلاً كانت الملاذ الأخير لها.

فمثلاً.. تصوروا أن الحكومة خصصت أكثر من 18 مليار ليرة لشراء قرطاسية ومطبوعات وأدوات مكتبية، وحوالي 12 مليار ليرة كمصاريف صيانة للآليات والمركبات الحكومية… وهذا قبل أن تشهد أسعار السلع والمواد موجات جديدة من الارتفاع خلال العام الحالي!

والسؤال… ألا يمكن خفض تلك المبالغ؟

من دون شك، يمكن ذلك من خلال تطبيق بعض الإجراءات على المستوى الحكومي والمؤسساتي، وهناك تجارب أولية أثبتت أن الفرصة متاحة لترشيد الإنفاق في هذا الجانب.

ومن الضروري أيضاً ايجاد حلول ناجعة ومجدية اقتصادياً واجتماعياً لأسطول الآليات والسيارات الحكومية القديم والمتهالك، والذي يتوقع أن يستهلك هذا العام بنزين ومازوت بقيمة تصل إلى 19 مليار ليرة..!

وحتى الأدوية والمستلزمات الطبية والمخبرية تحتاج هي الأخرى إلى ضبط لضمان استثمار الخدمة بشكلها الصحيح، خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن الإنفاق عليها قد يزداد في هذا العام إلى أكثر من 71 مليار ليرة مقارنة مع اعتمادات العام الماضي.

الحكم كان سيكون أكثر موضوعية وواقعية لو أن الحكومة حشدت طاقاتها لإنجاز عملية قطع حسابات موازنة العام الماضي، وذلك بالتوازي مع إنجاز تراكم السنوات السابقة… لتعرف إلى أين تسير ، وما هي نقاط الضعف في تنفيذ الموازنة، وأين يجب أن تراجع إجراءاتها… وغير ذلك.

ومع ذلك.. فإن حجم الترشيد الذي يمكن أن يحصل في الباب المشار إليه أعلاه، يبقى بمنزلة إنجاز يمكن البناء عليه مستقبلاً، وكما ذكرت سابقاً فإن هذا ممكن فيما لو توفرت الرغبة والإرادة.. الرغبة بترشيد حقيقي للنفقات الحكومية على مستوى كل مؤسسة، والإرادة الحازمة بمعالجة ظاهرة الهدر والسرقة السائدة أثناء عملية الإنفاق.

 

فينكس – زاوية ( بتصرّف)