عبد الحليم سعود :
من كثرة تكرار المؤتمرات المكلفة مادياً و”المتعوب” عليها تنظيمياً وإعلامياً، والخطب الدسمة “المشغولة” لغوياً بعناية، والشعارات “البراقة” المرافقة لها، بتنا نقنع أنفسنا أننا مقدمون على مرحلة جديدة من “الإصلاح” والنهوض تنسف كل الخراب والفساد والهدر والفوضى والإهمال والتسيب الذي حل في مؤسساتنا خلال السنوات الماضية، وأننا قاب قوسين أو أدنى من منافسة الأمم المتحضرة والراقية، ولكن ما أن ينتهي المؤتمرون من مؤتمراتهم الاستعراضية ويفرغ الخطباء من خطبهم العقيمة وتزال الشعارات الجوفاء المنتهية الصلاحية، حتى يعود الحال إلى ما كان عليه في السابق إن لم يكن أسوأ، إذ “تعود حليمة إلى عادتها القديمة”، “وكأنك يا بو زيد ما غزيت” في مسلسل كثرت أجزاؤه وحلقاته، حيث لا جديد فيه سوى هدر المزيد من الوقت وتبديد المزيد من الإمكانات المادية، وقتل أي بارقة أمل نحو الخلاص، وتطفيش ما تبقى من الطاقات والكوادر الوطنية المبدعة المعول عليها، وتعميم حالة من اليأس والإحباط تعيد تدوير وتمكين الفاسدين في مفاصل حساسة ومهمة، وكأن بطون الأمهات لم تنجب غيرهم..!
لا يختلف اثنان في أن هذه الطريقة الاستعراضية أعجز من أن تصلح “ببور كاز مشحور” أو تسلّك “بلوعة مسطمة”، فمعظم المؤتمرات والندوات والورشات والفعاليات والنشاطات المشابهة تنتهي بالعادة إلى توصيات مكررة لا تقدم ولا تؤخر، ولا سيما أنها تحفظ في أدراج مقفلة و”كفى الله المؤمنين شر القتال”.
لكي تنجح مؤتمراتنا وتنعكس إيجابا على الواقع لا بد من تغيير نمط التفكير وأسلوب العمل، ولعل أولى الخطوات هي تحصين الناس ماديا ومعيشيا وما يعنيه ذلك من إصلاح الواقع المعيشي، لأن الفقر هو بيئة خصبة لكل الأمراض والانحرافات وهو أبو الموبقات.. ولا بد من محاسبة المرتكبين ليكونوا عبرة لغيرهم “ليس بالضرورة تعليق مشانق وإنما التلويح بها”، وتعليقها فعلاً عند الضرورة، وانتهاج مبدأ الثواب والعقاب دون القفز فوق القوانين “بعض القوانين وضعت كي يقفز من فوقها الأقوياء والأثرياء الدفيعة”، لذلك لا بد من إصلاح القوانين التي بات معظمها مليء بالثغرات التي يتسلل منها كل فاسد وكل مرتكب وكل مخالف، فأغلب الفساد مغطى بقوانين غير صالحة.!
ربما يعتقد البعض أنني أهوّل الأمور وأبالغ قليلاً، وقد يتهمني البعض بالمشاركة في حملة تيئيس متعمدة، أو قد يذهب خياله إلى “التهمة الأسهل” وهي”وهن نفسية الأمة”، ولكن صدقوني الوضع الذي نعيشه اليوم يشبه المرض وهو يستدعي تحركاً سريعا لمعالجته كي لا يصبح الشفاء منه بعد فترة مستحيلاً، فمن بديهيات الطب تشخيص الحالة بدقة ومن ثم وصف الدواء المناسب، وأما ما يجري حالياً هو تجاهل الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا الوضع واختلاق الذرائع والمبررات المعيقة، ومن ثم اعتماد سياسة الترقيع وتجريب المجرب الذي لا فائدة منه..!
أخشى أن نصل إلى مرحلة نصبح فيها عاجزين عن فعل أو تقديم أي شيء مفيد، فيقترح البعض القيام “بإصلاح” الإصلاح نفسه، لاعتقادهم أن العيب فيه..؟!