زياد غصن :
إلى الآن، ورغم كل ما حدث، لم تجد قضية الاستملاك معالجة موضوعية تحافظ على حق المواطن ومصلحة الدولة في آن معاً.
وجميعنا يعلم أن معالجة هذا الملف كان من أبرز المطالب الشعبية التي قدمت للسلطة مع بداية الأزمة، لا بل أنه في بعض المناطق كان سباً رئيسياً في خروج بعض المظاهرات المطلبية.
مشكلة الاستملاك لم تعد فقط في التعويضات غير العادلة التي تمنح للمواطنين، وإنما هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية وتتعلق بغايات الاستملاك، وطبيعة العقارات والأراضي التي يستهدفها.
فالاستملاك الذي تكون غايته إحداث مدرسة، مركز صحي، طريق عام… وغير ذلك أمر يمكن أن يتفهمه المواطن ويتقبله، لكن أن تمنح الأراضي والعقارات المستملكة لمستثمرين وتجار لإقامة مشروعات استثمارية، سكنية، سياحية… الخ فهو يتنافى مع جوهر الهدف الذي وجد من أجله الاستملاك، وربما يصبح غير قانوني في حالات عدة… فكيف الحال إذا كانت الأراضي المستملكة زراعية وذات انتاجية عالية؟
هنا أعتقد أن النوايا ليست بريئة دوماً، وخلال العقود الماضية تبين أن مصالح شخصية كثيرة كانت المحرك الأساس للعديد من مشروعات الاستملاك.
مؤخراً وصلتني شكوى بهذا الخصوص من بعض فلاحي ومزارعي منطقة النقارين في محافظة حماة..
الشكوى باختصار قيام مجلس مدينة حماة في العام 2006 باستملاك عقارات معظمها عبارة عن أراض مروية، مستصلحة، ومشجرة بما يزيد على 5 آلاف شجرة، يزيد عمر بعضها على أربعين عاماً… ومن أجل ماذا؟… تنفيذ مشروع للجمعيات السكنية.
وفق ما ورد في الشكوى، فإن شكوكاً كثيرة تحيط بنزاهة عملية الاستملاك، إذ تم استبعاد عقارات غير صالحة للزراعة من عملية الاستملاك لغايات خاصة، وإدخال عقارات أخرى في مشروع الاستملاك هي عبارة عن أراض زراعية خصبة.
ورغم كل تقارير اللجان المشكلة والشكوى المرفوعة، إلا أن هناك إصراراً من جهة ما على السير بالمشروع.
لا أجد أحياناً من خيار سوى طرح مجموعة أسئلة عسى أن تحفز محاولة الإجابة عليها “حمية” مسؤول أو مؤسسة حكومية ما لإعادة الحق لأصحابه..
فمثلاً…
هل الاستمرار باستملاك أراض زراعية لصالح مشروع سكني يمثل اليوم رسالة تعكس ما تقوله الحكومة من أولوية القطاع الزراعي؟
وإذا كان هناك مخططاً تنظيمياً وضع منذ سنوات ما قبل الحرب.. فهل هو “حضاري” إلى درجة يُمنع إعادة النظر به؟
ولماذا لا يتم التدقيق والتحقيق فيما يقوله أصحاب العقارات المستملكة من حصول مخالفات وتجاوزات خلال عملية الاستملاك؟
وإذا كانت الغاية توزيع العقارات المستملكة على الجمعيات السكنية لتنفيذ مشروعات سكنية.. فلماذا لا يتم إقرار تعويضات بالسعر الرائج؟ أم أن هذه المشروعات يجب أن تتم على حساب المواطنين؟
ليس المطلوب في هذه الحالة وغيرها سوى لجنة حكومية تكلف بدراسة موضوعية للملف من كل جوانبه، وعلى أرض الواقع ووفق مهلة زمنية محددة… ومن ثم الأخذ بمقترحاتها وتوصياتها ووضعها موضع التنفيذ… هل هذه عملية صعبة؟ هل هذه الخطوة ستكون سبباً في تدني نسب تنفيذ محافظة حماة للمشروعات الاستثمارية؟ أم يمكن أن تضع الحكومة في “إحراج” جراء استجابتها لنداء من مواطن يعتقد أنه متضرر؟