على هامش صدور بعض القرارات الحكومية.. الأشباه وما شابه : أيها السادة ..لطفاً تريثوا قبل توقيع قراراتكم !! ..
التشريعات الذكية تسعى إلى تحقيق الجودة والكفاءة في التشريع
الإعداد الجيد للتشريع الحكومي استثمار في المستقبل
السلطة الرابعة – 4e :
ضجيج اجتماعي يلي صدور كل تشريع أو قرار حكومي يحمل آراء معترضة تارة ومطالب بإعادة النظر بالتشريع او القرار تارة باقية …تشوهات عميقة تعتري كثير من التشريعات والقرارات الحكومية تجعل من المتعذر تطبيقها أو تبنيها من قبل الفئات الاجتماعية والفعاليات الاقتصادية المستهدفة ….. تناقض في تشريعات وقرارات الجهات العامة تضع المواطن في دوامة تبدأ ولا تنتهي …. التعديلات المتكررة والسريعة على القرارات والتشريعات الحكومية …ازدواجية وتضارب القرارات والقوانين بين الوزارات ومؤسسات الدولة تضع اجهزة القضاء احيانا في حالة ارتباك وربما ادت الى ضياع حقوق … وكل تلك العوامل تقود الى اعاقة التنمية الاقتصادية والإدارية لأجهزة الدولة وللمجتمع ، وتقيد حركة التجارة بين القطر ودول العالم بعد ان تم تحرير التجارة الدولية .
هكذا يرى المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير لدى البرنامج الوطني لدعم البنية التحتية للجودة وأضاف :
التشـريع او القرار الحكومي هو مبدأ أو قاعدة أو شرط يحكم سلوك المواطنين أو الشـركات ، ويتم استخدامه من قبل السلطات العامة مع أدوات أخرى مثل الخدمات الحكومية ، الضـرائب ، برامج معينة ، سياسات تحفيز ، لتحقيق أهداف السياسات العامة للدولة من النهوض بصحة وسلامة ورفاهية المواطنين من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وحماية البيئة الطبيعية . ويمكن استخدام التشريع لضمان الكفاءة والعدالة في السوق بالنسبة للصناعة والزراعة والمستهلكين، وخلق مناخ ملائم للتجارة والاستثمار.
وتخلق السياسات التشريعية الظروف المواتية لصنع السياسات وصياغة القوانين، لأنها تتطلب بياناً بالرغبة في تطبيق سياسات معينة والموارد المطلوبة ، والترتيبات الإدارية ، وتصميم وتنفيذ العمليات ذات الصلة ، بالإضافة إلى إجراءات النشر. ويتم الحكم على تلك السياسات بناء على أهميتها وكفاءتها وفعاليتها أو ما يطلق عليه “الجودة” و”الأداء”. ويعتبر السعي إلى تشريعات أكثر كفاءة جزء من حركة أوسع للوصول إلى حكومة تعمل بأكثر كفاءة.
الممارسات الجيدة في اعداد التشريع الحكومي :
واضاف قرنفلة أنه قبل اعداد مكونات اي تشريع او قرار حكومي لا بد من الحرص على موائمة التشريع والقرار مع المنظومة الوطنية و/أو الدولية (إن لم تتعارض مع الوطنية ) والاعتماد على المواصفات الوطنية و/ أو الدولية كمراجع خلال إعداد التشريع بهدف الحد من الازدواجية في إصدار التشريعات الفنية بين الجهات المعنية بنفس التشريع . ويضيف أن هناك جملة من النقاط المحورية لابد من استعراضها خلال خطوات ومراحل اعداد التشريع الحكومي وما بعد اصداره تتمثل في :
- توضيح المشكلة التي يهدف التشريع الى معالجتها ؟ وهل تستلزم اصدار تشريع او قرار حكومي جديد أم تعديل لتشريع قائم .
- تحديد الجهات الحكومية المسؤولة عن حل هذه المشكلة ؟ سواء أكانت وزارة او مؤسسة عامة او ادارة مركزية او فرعية .
- التأكد من ان التشريع ينسجم مع المنظومة الوطنية أو الدولية المتعلقة بالمشكلة لتجنب التعارض بين التشريع وتلك المنظومة .
- تحديد الأطراف التي ستتأثر بالتشريع الجديد المزمع اصداره ، وتحديد مدى تأثرها ؟ وتحديد الإجراءات أو التعويضات التي يجب اتخاذها او دفعها لخفض التأثير السلبي للتشريع على بعض الأطراف .
- التأكد من أن الأطراف المتأثرة قادرة على الالتزام بتنفيذ التشريع . وفيما اذا كان لازما منح حوافز معينة لهذه الأطراف تساعد في التزامها بمتطلبات تنفيذ التشريع
- التأكد من أن المتطلبات القانونية لتطبيق التشريع معروفة ومفهومة من قبل الأطراف المتأثرة وجميع الأطراف الأخرى ذات الصلة
- التأكد من أن الالتزام بالتشريع لن يضع الجهات أو القطاعات المستهدفة والمتأثرة أمام مصاعب أو متاعب مالية .
لذلك وبالمحصلة لابد من اعداد دراسة تحليلية تتضمن تقييم توقعات أثر تطبيق التشريع بما فيها :
أ – اعداد دراسة تتضمن تقدير حجم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتوقعة نتيجة تطبيق التشريع .
ب- تصميم جداول مقارنة لجميع الخيارات الممكنة لتحقيق الأهداف من التشريع .
ت- وضع آليات تمنح التشريع المرونة المطلوبة للاستجابة للتغيرات الطارئة خلال التنفيذ.
ث- آليات تقييم أثر تطبيق التشريع والبدائل الممكنة للتصحيح بهدف تحقيق الغاية من التشريع.
الخلل في اعداد التشريع يعيق تطبيقه :
يشير المهندس قرنفلة الى أن غياب تطبيق الممارسات الجيدة في اعداد التشريعات والقرارات الحكومية ومبادئ تحليل اثارها التنظيمية والاقتصادية والاجتماعية قد يؤدي الى ارتدادات سلبية تعيق تنفيذ تلك التشريعات والقرارات كليا او جزئيا أو ربما ينشأ عنها ضررا بالغا يصيب بعضا من الاقتصاد الوطني ، او ينعكس على العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع . في حال عدم استيفاء تلك التشريعات والقرارات الدراسات التحليلية اللازمة قبل اصدارها .
ويؤكد قرنفلة أن مدخلات البنية التحتية للجودة في صياغة وصناعة واستصدار التشريع توفر قاعدة اساسية يتوجب مراعاتها من قبل صانعي التشريعات و القرارات لضمان تشريع او قرار جيد يحقق الغايات والسياسات المستهدفة ولكي يتكامل ولا يتعارض مع التشريعات الصادرة عن أي جهة حكومية، ومتوافقاً مع متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويخدم في تطوير بنية المجتمع والاقتصاد الوطني، ومن هذا المنطلق فإن مهمة إعداد تشريع او قرار متوازن وعادل ، لا يتسبب بأي ضرر اجتماعي او اقتصادي ، يتطلب خبرات فنية ومهنية وتشريعية وطنية عالية الكفاءة ويستلزم الاستفادة من الخبرات والنتائج الإقليمية والدولية.
تقييم الأثر التشريعي
التشريع الجيد يُنتِجْ : حكومة أفضل .. استثمارات أكثر ..معدل نمو اقتصادي أعلى
من جانب اخر يؤكد المهندس عبد الرحمن قرنفلة أن التشريعات تصدر عادة لإحداث تغيير في توزيع الدخل أو الثروة في المجتمع أو لتصحيح مسارات العمل والإنتاج أو العلاقات بين مكونات المجتمع لضمان سلامة الأفراد وأنشطتهم المختلفة والحفاظ على البيئة ، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن تفرض التشريعات تكاليف باهظة على الاقتصاد ، وعادة ما تكون لدى المواطنين نزعة طبيعية للجوء للحكومة “لاتخاذ إجراء” عندما تحدث مشاكل أو مخاطر ولكن التشريعات المتسرعة أو سيئة الإعداد قد تؤدي إلى نتائج غير مقصودة وضارة اقتصادياً ، كذلك قد يأتي تنظيم الحكومة للأمر نتيجة لضغط أفراد أو مجموعات ذات مصالح خاصة بما يخدم مصالحها.
مطلوب تقييم الاثر التشريعي .. والوصول الى تشريعات ذكية ..
وبهدف تلافي عيوب التشريعات الصادرة نلجأ الى استخدام دراسة تقييم الأثر التشريعي (Regulatory Impact Assessment) بهدف معالجة المخاوف المشار إليها لأن الدراسة تتضمن:
- أسلوب لتحليل المخاطر فيما يتعلق بصنع السياسات .
- تقييم المشكلة محل البحث من حيث المخاطر التي تتعلق برفاهية الشعب .
وبالتالي تقييم ردود الأفعال المختلفة المحتملة من حيث التكاليف والمنافع المتوقعة.
ويضيف الخبير قرنفلة : ينبغي أن يتم إجراء دراسات تقييم الأثر لكل أشكال التدخل الحكومي – بما في ذلك التشريعات الرئيسية (primary legislation) والتشريعات الثانوية (secondary legislation) وكذلك قواعد الممارسة أو التوجيهات.
حيث أن استخدام تقييم الأثر من المفترض أن يحسن نتائج (outcome) وعملية (process) صنع السياسات ، أي ان دراسة تقييم الأثر تساهم في تحقيق النتائج المتوقعة للسياسات وأن تصبح عملية صنع السياسات داخل الحكومة فعالة.
والجدير ذكره أن استخدام تقييم الأثر متسق مع مفهوم التشريع الأكثر استجابة وضمان تحقيق أقل قدر ممكن من الضرر الاقتصادي والاجتماعي نتيجة التدخل الحكومي ، والغرض من تقييم الأثر هو تحديد ما إذا كان تدخل الدولة ضرورياً أم غير ضروري وأفضل شكل للتدخل لتخفيض صافي التكاليف وتعظيم صافي المنافع للمجتمع . وينبغي أن تكون الرؤية بالنسبة لدراسات تقييم الأثر هي أن تصبح جزء لا يتجزأ من عملية إعداد السياسات التشريعية ويتم استخدامها من قبل المسئولين الحكوميين والسياسيين لإعداد التشريعات الجديدة .
كما أن هناك جانب آخر هام جداً من عملية تقييم الأثر وهو التشاور الذي يسعى لجمع أكبر قدر من المعلومات من الأطراف المعنية ، فصنع السياسات وتطبيقها يتم تحسينها إذا كان هناك تشاور سليم مع المجموعات المتأثرة في المجتمع بالتغيرات المقترحة ، وينبغي أن تكون النتيجة هي سياسات أفضل ، وتقييم الأثر يتم استخدامه لمراجعة التشريعات القائمة لضمان أنها تحقق الأهداف المرجوة.
ويؤكد خبير برنامج الجودة المهندس عبد الرحمن قرنفلة أن دراسات تقييم الأثر الجيدة تبين لماذا تنظم الحكومة موضوعاً ما أو لماذا يتم اقتراح تنظيم تلك المسألة . وأهم البدائل التشريعية التي تم بحثها وأسباب اختيار البديل المفضل (إن كان هناك بديل مفضل) وينبغي أن تتضمن البدائل “عدم اتخاذ أي إجراء” أو عدم إدخال أي تغيير على السياسات الحالية – حيث قد يثبُت أن عدم اتخاذ أي إجراء هو البديل الأفضل ، كما ينبغي أن تحتوي على تكاليف تطبيق التشريع الجديد من حيث الإدارة وتكاليف الالتزام على المنشآت مقابل المنافع المرجوة والتي قد تكون اقتصادية واجتماعية وبيئية ، ويمكن تحديد بعض التكاليف والمنافع بشكل كيفي ولكن في الوضع الأمثل ينبغي أن يتم تحديدها بشكل كمي حيثما أمكن.
التشريعات الذكية :
يقول المهندس عبد الرحمن قرنفلة : التشريعات الذكية هي مجموعة من المبادئ والأدوات الأكثر تقدماً لمساعدة صانع القرار على التأكد من استخدام التشريعات بأكبر قدر ممكن من الفعالية والشفافية في إتباع أهداف السياسات الموضوعة.
والتشريعات الأفضل (Better Regulation) والتشريعات الذكية (Smart Regulation) هي تسميات من بين تسميات أخرى لسياسات تشريعية محددة تسعى إلى تحقيق الجودة والكفاءة في التشريع بدءاً من التصميم وحتى التنفيذ بما يتفق مع السياسات العامة الأخرى .ويمكن النظر لمفهوم التشريعات الذكية على أنها تطور لمفهوم التشريعات الأفضل والذي انتشر في السنوات الاخيرة بعدد من دول العالم المتطورة
ولكن ما الذي يجعل أي تشريع “ذكيا”؟ وماهي فوائد التشريعات الذكية ؟؟
يقول قرنفلة : هناك أمران يجعلان التشريع ذكياً : التأكيد على النتائج (فاعلية الفعال) والمشاركة الحقيقية للأفراد المعنيين. أما فوائد التشريعات الذكية فتتمثل بالنقاط التالية:
دعم سيادة القانون – تحسين مستوى المعيشة – حماية البيئة – زيادة التنافسية – تسهيل انفتاح السوق – تحسين الشفافية –
أدوات التشريعات الذكية
على الرغم من تنوع محتويات سياسات التشريعات الذكية هناك اتفاق على أدوات التشريعات الذكية والتي تتمثل بــــ :
- تقييم الأثر التشريعي
2.قياس وتخفيض الأعباء الإدارية.
- تبسيط التشريعات واللوائح الحالية بما في ذلك الدمج والتأكيد.
4.التشاور مع الأطراف المعنية.
5.تقييم التشريعات بعد تطبيقها.
6.إتاحة التشريعات.
ويضيف المهندس قرنفلة :ينبغي أن تكون سياسة التشريعات الذكية التي يتم وضعها ملهمة بالنسبة للقائمين على إصدار وتطبيق التشـريعات في كل أجهزة الحكومة و أبعد من ذلك في أي من السلطات التشريعية المستقلة في البلاد ، ويمكن أن يساعد في ذلك تبني شعار ملائم مثل التشريع الذكي ، خفض الروتين الحكومي و بما يتناسب مع الثقافة أو الاهتمامات الوطنية.
ويجب كذلك تصميم برنامج تدريبي لنشر المعرفة وكيفية تطبيق مفاهيم التشريعات الذكية وأدواتها بين المسئولين الحكوميين للعمل على تحقيق تغيير تدريجي في الثقافة والتحول من دورة عمل تركز على العمليات والخطوات إلى دورة عمل تركز على المنتج مع الاهتمام بالجودة والأداء.
وينبغي أن تؤكد الجهود الإعلامية لسياسة التشريعات الذكية على أن دوافع التشريع الذكي فنية وليس أيديولوجية ، فهو يسعى فقط إلى تحقيق الكفاءة في تطبيق السياسات العامة للدولة وأن المزيد من التشاور مع الأطراف المعنية والجمهور العام يزيد من شفافية القرارات العامة ومساءلة المسئولين. ويبقى الأمر مرهوناً بالإرادة العليا للقرار في الدولة باتجاه تبني هذا الأمر .