جديد 4E

اكس برس وأشياء أخرى..!

 

عبد الحليم سعود:

يعاني قطاع النقل الطرقي في بلدنا من مشكلات وأزمات مرهقة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من آثارها السلبية على معظمنا،  فالمقبل على سفر أو المضطر للتنقل بين محافظة وأخرى أو بين المدينة والريف سيدخل في متاهة تجعله يلعن ساعة السفر وساعة الوصول، فالأسطول المخصص للنقل بين المحافظات أقل بكثير من الحاجة كما أنه يعاني من قدمه وكثرة أعطاله، في حين تمارس شركات النقل أساليب غير إنسانية في التعاطي مع المسافرين وتتقاضى تعرفة لا تتناسب مع الخدمات الشحيحة التي تقدمها، أما أصحاب السرافيس والفانات فيمارسون أبشع طرق الابتزاز بحق المسافرين.. وحجتهم دائما قلة المخصصات من البنزين والمازوت وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، وأسباب أخرى أتحرج من ذكرها لأن الجميع “بقناعتي” يعرفها..!

خلال سنوات الحرب اضطررت لاستخدام وسائط النقل العامة من بولمانات وسرافيس وفانات مرات عديدة كان آخرها الأسبوع الفائت، حيث لم ألمس أي تطور في حل المشكلة، فالرحلة التي تستغرق أربع أو خمس ساعات بالأحوال العادية يمكن أن تستغرق اليوم من ثماني الى عشر ساعات انتظار في الكراج وأعطال في الطريق ومشكلات أخرى، حيث لا قيمة للوقت ولا لكرامة الناس ولا مراعاة لظروفهم.

رحلة عودتي قبل أيام من اللاذقية إلى دمشق  استغرقت حوالي عشر ساعات قضيتها من كراج إلى آخر ومن واسطة نقل إلى أخرى، ولم يكن ينقصني لاستكمال مشهد التنغيص سوى استخدام حمار جحا لإنهاء الرحلة.

فقد تنقلت “بالتقسيط” غير المريح، من جبلة إلى اللاذقية ومنها إلى طرطوس فحمص فدمشق وفي كل كراج تأخير وانتظار ممل، ولعل أكبر المفارقات واجهتها في كراجات حمص، حيث عثرت بعد مشقة على شركة أطلقت على بولماناتها اسم (اكس برس) تيمنا بشركة عالمية، لأكتشف بأنها (اكس مصاعب ومفاجآت) لا تخطر على بال..

في البداية حصلت على حجز إلى دمشق من دون تحديد رقم المقعد، ورحت انتظر على الرصيف رقم ٦ بانتظار انطلاق الرحلة كما أمرنا مكتب الحجز.. وبعد أكثر من نصف ساعة من الانتظار حفظت خلالها كل الوجوه العابسة  توقف بولمان “مهرهر” قادم من محافظة شرقية على الرصيف رقم 4 ويحمل نفس الاسم(اكس برس) ثم أفرغ عائلات بلباسها الفلكلوري المعتاد كاستراحة، لينتقل بعدها إلى الرصيف رقم 6، ثم أشار المرافق لنا بالصعود، فاخترنا – نحن ركاب حمص – أماكن مريحة في المقدمة، بعد دقائق قليلة عاد الركاب الأصليون إلى مقاعدهم محملين بكل الأطعمة والحلويات والمشروبات الموجودة بالكراج، لينتشروا هم وأطفالهم في معظم مقاعد البولمان والممر الضيق حاجبين الرؤية والهواء، ويجبرونا على التقهقر إلى المقاعد الأخيرة، لأجد نفسي إلى جانب سيدة مريضة في العقد السادس من عمرها، علمت منها أنها مصابة بجلطة دماغية، فرحت أراقبها كما لو أني طبيبها الخاص، تحسبا للمفاجآت..

في الطريق كان صوت محرك البولمان مرتفعا وضجيجه عالياً ودخانه يتصاعد داخلا وخارجا، حيث لا وسائل تهوية أو تكييف، أما المرافق فانشغل برش روائح منعشة لإزالة الروائح المنبعثة من البولمان والركاب على السواء،  أما الصغار فتمددوا في الممر كما لو أنهم قطيع من الحملان…كانت كل الأحداث تشي بأن ثمة مفاجأة قادمة، حيث كل شيء متوقع، وبالفعل قبل دمشق بحوالي 15 كم حدثت المفاجأة وتكسر شيء ما في البولمان ثم تعطل – والحمد لله أنه كان يسير ببطء شديد – فاضطررنا للنزول والسير لمسافة طويلة من أجل العثور على واسطة نقل جديدة توصلنا إلى العاصمة… ولكم أن تتخيلوا بقية الرحلة!