جديد 4E

بروفة الأوركسترا

سعد القاسم

هو اسم فيلم يحمل توقيع المخرج الإيطالي الشهير (فيدريكو فلليني) من آخر الأفلام التي أنجزها في حياته، وقد أخرجه عام 1978 وعُرض على هامش مهرجان دمشق السينمائي بعد وقت قصيرٍ محدثاً ردود فعل متباينة عند مشاهديه، بين من لم يستطع الانسجام مع (حكايته) غير التقليدية، حيث لم يدرك الأفكار الكبرى التي ترمز لها تلك الحكاية، وبين من اعتبره شاهداً إضافياً على عبقرية (فلليني) وقدرته على تقديم رؤيته بلغة سينمائية ذكية.

تدور أحداث (بروفة الأوركسترا) في مبنى تاريخي جميل، يستخدم بفضل نقاوة الصوت فيه لتدريبات فرقة أوركسترا متباينة الأعمار، يبدأ الفيلم مع فريق تلفزيوني يقوم بتصوير فيلم وثائقي عن الأوركسترا مع بداية حضور العازفين إلى المكان، فيتضح منذ البداية أن العازفين لا يملكون حالاً مشتركاً، فإضافة إلى لهجاتهم المختلفة يتباين سلوكهم، ويبدو كثيرون منهم وكأنهم قد جاؤوا لمتابعة مباراة بكرة القدم لا إلى عزف الموسيقا، بل أن أحدهم حمل بالفعل مذياعاً صغيراً حتى يتمكن من الاستماع إلى مجريات المباراة، ونقل نتائجها خلال البروفة إلى زملائه عازفي آلات النفخ، في المقابل تلتقي الكاميرا بعض العازفين الكبار، ومنهم ناسخ النوتات الموسيقية ومدرس الموسيقا البالغ من العمر ثلاثة وتسعين عاماً، فيحكون عن حنينهم إلى الزمن الذي كان فيه الموسيقيون أكثر جدية، وبالتالي أفضل عزفاً، نقيض حال عازفين آخرين يرون العزف مجرد عمل، مثل أي عمل أخر يتمنون الانتهاء منه سريعاً كي يتمكنوا من الذهاب إلى مكان آخر.

تجول كاميرا التلفزيون بين العازفين فيمتدح كل منهم آلته الموسيقية ويتحدث عن أهميتها في الأوركسترا بحيث تبدو كل آلة رمزاً لفكرة ما، فيما الآخرون يتبادلون المزاح ويتابعون مجريات مباراة كرة القدم وينهمكون في نقاش عن الحقوق المهنية والحرية، وتزداد الفوضى حين يظهر في المكان فأر ينشغلون بملاحقته، ليرتفع صوت قائد الأوركسترا حانقاً ومثيراً جدلاً نقابياً، يليه تمردٌ من بعض العازفين يقومون خلاله بكتابة شعارات على جدران المبنى، وإطلاق رصاصٍ، وتشويه ملصقات مشاهير المؤلفين الموسيقيين، وحتى تحطيم آلاتهم التي يعيشون منها.

في ذروة هذه الفوضى المجنونة تخترق الجدار بعنف كرة حديدية عملاقة تستخدم لهدم المباني، فتقتل في اندفاعها عازفة القيثارة الطيبة ليخيم على المكان صمت مرعب مصحوباً بالكثير من الغبار، فيعتلي قائد الأوركسترا المنصة من جديد ملقياً بلهجة حازمة تعليماته، وتعود الأوركسترا إلى الانتظام.

إنما بعد إزهاق روحٍ، وخسارة عازفة، وإحداث ثغرة في الجدار.

 

صحيفة الثورة – ( إضاءات ) 31 / 5 / 2021 م