جامع بني أمية الكبير بدمشق .. بلغةٍ يعربيّة
يعرب العيسى
هذا المكان أكثر براءة من أن تغضب منه، وأجمل من أن تكرهه. أبسط من أن ترمّزه، وأفضل أداءً ووظيفيةً من أن تتسامى به أو فيه. احتفظ بنقوشٍ تمجّد إله الشمس، وباسم أبناء أمية بن عبد شمس.
مكان مسكين، لطالما فعلَ ما يُطلب منه فعلُه. كان موظفاً عند من مرّوا بهذه المدينة يحملون أسلحة، فظلّ لـ1260 سنة معبداً لحُدُدْ لمجرّد أن المؤمنين به كانت سيوفهم ثقيلة، ثم 328 سنة معبداً لجوبيتير (أحد آلهة الانتداب الروماني)، ثم كاتدرائية يُعبد فيها ابن الله وتحمل اسم يوحنّا ابن خالته أليصابات، ارتفعت فيها الصلوات بالآرامية لـ 243 سنة. ثم صار مسجداً ورُفع فيه الأذان بالعربية المترنّحة على سبعة مقامات موسيقية لـ1377 سنة لكنه تنقّل بين المذاهب والولاءات، فترك كل مذهبٍ محرابَه على الجدار الجنوبي، وترك كل ولاءٍ عارَه على السقف والجدران الأربعة. فدُعَي من على منابره لـ13 أموياً و37 عباسياً، و36 عثمانياً، ولملك واحدٍ من نسل الهاشميين، ولـ23 رئيساً من الخمسة والعشرين الذين تعاقبوا عليه بعد فيصل.
دعا أئمّتُه لمئات الولاة والقائمي مقام. صلّوا للمطر، برّروا الغلاء، حاربوا المثلية، التمسوا من التجار تخفيض الأسعار ومن الحكّام الرأفة، انتقدوا بعض برامج التلفزيون، حذروا من مضار التدخين، شجّعوا على الالتحاق بالخدمة الإلزامية، هاجموا الفيزون بشراسة، شتموا الطوائف الأخرى حين أتيح ذلك، آخوا بينها حين أتتهم إشارات معاكسة، جمعوا التبرعات، عثروا على آيات تحضّ على التأميم، وأخرى تمجّد السفر، انتقدوا هجرة الأدمغة، حيّوا على الجهاد، أحلّوا إيداع الأموال في البنوك إذا كانت على شكل شهادات فئة ج، تغنّوا بالهلال الذي يجمع العرب والترك، لعنوا صناعة المفروشات التي تفرّق العرب والترك، طردوا المصلّين حين أتتهم أوامر بذلك.
ـ خمسة محاريب لعبادة إله واحد ( المئذنة البيضاء )
======= انتهى =======
هوامش :
( السلطة الرابعة ) تُخلي مسؤوليتها من هذا الجمال الساحر كله
فهذه اللوحة عن صفحة الفيسبوك الشخصية للزميل يعرب العيسى .
https://www.facebook.com/yarobaleesa
والمئذنة البيضاء :
رواية له أعلن عن صدورها في بداية العام الجاري ( 2 كانون الثاني 2021 م ) موضحاً أن :
تصميم الغلاف: الناصري.
الناشر: المتوسط
وقال الأستاذ يعرب في 19 كانون الثاني وعلى صفحته أيضاً:
لا يحتاجُ الموت سبباً. يحدثُ حين تفنى الأسباب.
الحياة هي من يحتاج ذلك.
إلى أسبابي كلِّها.
هكذا خرجت رواية “المئذنة البيضاء” مني إلى الأبد، وهكذا أهديتها، فما زلت حياً، وما زلت أرتجي العود.
