علي نصر الله * :
عندما كانت أحلام “واشنطن – لندن – باريس – إسطنبول – الدوحة – الرياض” تتلاشى في حلب 2016، ذهبت واشنطن التي تقود منظومة العدوان لأحدِ أشكال الجُنون الذي يُعبر عن حالة فقدان التوازن، فأصدرت أمرَ عمليات بتحريك فَوري لذراعها الإرهابية “داعش” نحو تدمر – من بعد دَحره عنها – في مُحاولة منها للتشويش على الانتصار في حلب، ذلك بصناعة حدث آخر تُحاول من خلاله رفع مَعنويات الإرهابيين وداعميهم، دولاً وحكومات!
لا حاجة لإعادة سرد ما جرى آنذاك، إذ استُكمل النصر في حلب، ولم يَمضِ على تدمر إلا أسابيع قليلة، عادت بعدها نظيفة من الحُثالات الداعشية ومُشتقاتها، لتَعلقَ في الحلوق الصهيوأطلسية الإخوانية الوهابية مرارة العلقم التي لم تَغسلها كل المُحاولات اللاحقة بما فيها العدوان الثلاثي الآثم الذي نقلَ المعركة لمُستويات أخرى رغم التطورات الكبرى التي رافقتها، فمن الواضح أنّ واشنطن – وأدواتها – لم تتعظ، لم تتعلم، وما زالت تَجتر الوهم، وتلك الأشياء المُقززة.
ما مُناسبة تَكثيف دروس التدريب للدواعش في التنف ومُحيطها؟ ما الحاجة الصهيوأميركية للاجترار بمُخططات إرهابية تُسنَدُ مهمة مُتابعتها لجنرالات اختبروا الفشل مرات، ومهمة تَنفيذها للفلول المُندحرة التي تَجرعت طعم الهزيمة في تدمر مرّات وعلى امتداد الحدود السورية العراقية مرات ومرات؟ وهل يَعكس ذلك اعتقاد واشنطن كعقل يُدير الدواعش بجَدوى الاستثمار المُتجدد بهم؟ أم هو العجز يَقود لذلك كخيار وحيد تَقطيعاً للوقت واستغراقاً بوهم إحداث تَغيير في المُعادلات؟
إذا كان يُراد المُشاغبة على الانتخابات الرئاسية – 26 أيار القادم – بتَلزيم واشنطن للدواعش تنفيذ سلسلة اعتداءات باتجاه المدن السورية، فذلك يُؤشر بوضوح إلى بُؤس حال واشنطن ومُلحقاتها، وإذا كان العقلُ الصهيوأميركي المُدبر – لما وَأَدَتْه الضرباتُ الجوية الروسية – يتوهم ما هو أكثر من مُشاغبة على الانتخابات واستحقاقها الوطني الذي يتمسك به السوريون، فإنّ مُتعة المُقارنة بين ترامب وبايدن ستزداد ولا بُد أن تصل بالتوصيف إلى ما هو أبعد من “خَرِف، وأحمق”.
قبل أيام قليلة كان العالمُ شاهداً على طُغيان حالة مُتجددة من التلفيق والفبركة طَفَحَت بها المنظمة الدولية المُختصة – فرضياً وليس واقعياً – بحظر الأسلحة الكيميائية الخاضعة المُنفذة لأمر عمليات أميركي تَجسد بصدور تقريرها الكاذب، ذلك ليَكون أمر العمليات الأميركي لها وللدواعش، كل منهما يُوازي أو يُساوي الآخر في إطار حملات الاستهداف والتشويه تَزامناً مع استعداد سورية وشعبها لكتابة حروف سيادية جديدة، تُؤكد المُؤكد من أنها لن تسمحَ لأحد التدخل بشؤونها، ومن أنها قوية بما يكفي ويَفيض لتَقول كلمتها الفصل وتَرُدَّ على كل الحَملات بالثَّبات والصمود الذي عُرفت به عبر تاريخها العروبي الأصيل المُقاوم لسياسات الاحتلال والعدوان والهيمنة.
النَّفخ بكذبة الكيماوي، إعادةُ تدوير الدواعش أو إعادة إنتاج مُشتقاتهم، مع احتمالات أخرى قد لا تتوقف عند حدود تَسجيل عودة واشنطن وأدواتها لأوهام جنيف 1 وإلى المُربعات الأولى من مُخطط العدوان والحرب، هي المُفردات المُتوقع تَداولها بكثرة وكثافة خلال فترة الانتخابات في سورية، وقد بدأت قوى العدوان بذلك فعلياً، بالقيادة الأميركية لتحالف الشر مُتخطية القوانين ومُتطاولة على الميثاق الدولي، مُعتمدة نهج البلطجة وأساليب الضغط والتهديد لتَحشيد أكبر عدد من التابعين خلفها لإسناد كل فعل آثم على الأرض، وكل حركة ناقصة وكلمة منافقة على المنابر السياسية والإعلامية، غير أنّ واشنطن ومن معها، قد لا تَتخطى حدود الفشل والخيبة إياها التي اختبرتها على امتداد السنوات السابقة منذ 2011 وصولاً إلى 2020.
الوقائع تؤكد أنّ ما بَدأته إدارة أوباما وسابقاتها لا يُسمح لبايدن التراجع عنه، ومن الواضح أنّ فريق الديمقراطيين يبحثُ في هذه الأثناء عن طريقة لتسجيل الحضور على مسرح العمليات المُمتد من جنيف إلى أستانا وسوتشي، ومن نيويورك إلى فيينا وبروكسل، بل من الواضح أنه لا يُعاني – أثناء البحث – أيّ مشكلة أخلاقية أو قانونية إذا ما احتاج العودة إلى الذرائع نفسها وإلى الحركات البهلوانية التافهة ذاتها.
في مُقاربة العلاقة مع الصين وروسيا أو بتهديدها، في مسعى العودة من عَدمها للاتفاق النووي الإيراني، لا يَشعر فريق بايدن بالخجل، ويعود للحركات التافهة ذاتها، فلماذا يشعر بالخجل مما يرتكبه من جرائم بمُواصلته فصول الكذب والتلفيق والعدوان والإرهاب في سورية؟.. سنَجعله قريباً جداً يَشعر بما هو أعمق من الخجل والخسران، فانتصارنا يَرسخ، واستحقاقنا الانتخابي السيادي يَمضي بثبات .. وسيكون 26 أيار القادم يوماً آخر للوطن والسيادة.
افتتاحية الثورة – بقلم * رئيس التحرير – 20 نيسان / ابريل 2021 م