جديد 4E

لا مبرر للهلع من ارتفاع أسعار الصرف في سورية لتنوع اقتصادها القادر على التجاوز

زيادة التضخم تولد المخاوف عند الأفراد وتزيد التضخم نفسه لإقبال الخائفين من ارتفاع الأسعار .. على الشراء

في حالات الهلع الاقتصادي لا ينبغي اتخاذ قرارات هامة كي لا يؤخذ صاحب القرار بالعاطفة

الدكتور عامر خربوطلي :

تنتاب الأسواق في أوقات الأزمات والتغيرات غير المتوقعة حالة من الخوف والارتياب غالباً ما تتحول إلى حالة من الهلع والتي يفترض أنها حالة غير حميدة ومؤقتة ولا يجب أن يبنى عليها قرارات اقتصادية هامة.

وهناك العديد من الأمثلة عن الأسعار التي تتحرك بشكل مستقل تماماً وغير مترابط مع العوامل الاقتصادية، وهذا ما يفسر انفجار الأسعار لأغلب السلع والخدمات في سورية بمجرد انطلاق حالة الخوف والهلع من ارتفاع اسعار الصرف والتي تفاوتت التوقعات باستمرار صعودها إلى معدلات غير مفهومة ولا تعكس واقع الاقتصاد السوري وحجم العرض والطلب الفعليين على القطع الأجنبي وبين توقعات هبوطها التدريجي أو المتسارع وهذا ما حدث فعلاً وخلال أيام قصيرة.

 إنها الاشاعات التي يطلقها المضاربون والتي يحاول أصحاب الأعمال بحكم الخوف والهلع أن يترقبوا ارتفاعات جديدة للأسعار دون أن يعتقدوا بهبوطها فيرفعون أسعار منتجاتهم تحوطاً دون مبرر إلى مستويات أعلى من القدرات الشرائية للأفراد فتدخل الأسواق في حالة عجيبة من الجمود.

يقدم علم الاقتصاد السلوكي تفسيرات كثيرة لما يخفق فيه الاقتصاد التقليدي، خاصة إذا تدخلت مشاعر الإنسان، لا سيما الخوف في القرارات الاقتصادية، فحينها كثيراً ما تصبح المعطيات الاقتصادية من أرقام وإحصاءات هامشية أمام شعور متخذ القرار الاقتصادي بالخوف.

يعد التأمين أحد الصناعات القائمة على اقتصاد الخوف، فالأفراد على استعداد لدفع مبلغ كبير لمنع أي فرصة ضئيلة لفقد قدر كبير من ثرواتهم. وبذلك تصبح تكلفة التأمين أغلى من الفوائد التي تحققها أو تضمنها على المدى الطويل، وهو ما تؤكده الأرباح الكبيرة التي تحصدها تلك الصناعة

وتظهر فكرة “الخوف من التغيير” أيضاً، فالناس يتأثرون بالأحداث التي اختبروها في الماضي، وحتى لو تغيرت الظروف، يتذكر الأفراد ما كان عليه الحال في الماضي، ويظل لذلك تأثير قوي على صنع القرار الاقتصادي الحالي.

 فعلى سبيل المثال، قد يستمر الأفراد في الإنفاق على المبيعات، على الرغم من أن توقعات الدخل المستقبلية ليست واعدة كما كانت في السابق، كما أن توقعات التضخم تستند إلى حد كبير إلى البيانات السابقة، وبالتالي فإن زيادة التضخم تولد المزيد من المخاوف وربما المزيد من التضخم بسبب الإقبال على الشراء من الخائفين من المزيد من ارتفاع الأسعار.

ويتأثر المستهلكون إلى حد كبير بضغوط وسائل التواصل الاجتماعي وتصورات الواقع الاقتصادي، فعلى سبيل المثال إذا اعتمد 70% من الأفراد في بلد ما إن هناك حالة ركود بالفعل، ولكن هذا الاقتصاد  ليس في حالة كساد، حتى لو كانت أسعار المنازل تتراجع وكانت هناك أزمة ائتمانية.

 ومع ذلك، كثيرًا ما يتحدث الأفراد كما لو كان هناك بالفعل حالة من الركود الاقتصادي، حتى في أوقات الرواج، وهذا الخوف من الركود يمكن بالطبع أن يجعل الركود حقيقة واقعة. فإذا اعتقد الناس أنهم في حالة ركود، فإن إنفاقهم سينخفض على الرغم من أن دخلهم قد يرتفع  وهذه مفارقة فعلاً عجيبة ومستغربة.

وسيؤدي هذا بدوره إلى انخفاض الطلب الكلي وانخفاض النمو الاقتصادي، ليبقى الشيء المؤكد هو أن إنفاق الأفراد لا يتأثر بدخلهم الخاص فحسب، بل بالأهم وهو تصوراتهم للتوقعات الاقتصادية العامة.

وتعد متلازمة ” الإسراع إلى المصرف ” مثالاً واضحاً على تأثير “الخوف” عند الأفراد اقتصادياً، فعندما يسمعون أن أحد المصارف في أزمة، يهرع العملاء إلى البنك لسحب مدخراتهم، ولأن بعض العملاء كانوا يهرعون إلى البنك، شعر الكثير من الناس أنه يجب عليهم  أن يفعلوا مثلهم.

غالباً ما تخضع الأسواق التي تعرف افتراضاً بأنها تتمتع  بـ “المعلومات الكاملة” لتقلبات عنيفة.

 ففي فترات الازدهار، يقفز الناس للحاق بالقطيع ويُقبلون على شراء الأسهم أو المنازل. ولكن عندما يتغير مزاج السوق قليلاً، يمكن أن يتغير مزاج الناس بسرعة بحيث يسارعون للبيع بصورة جنونية، في محاولة للخروج قبل انهيار السوق.

 وهناك العديد من الأمثلة على الأسعار التي تتحرك بشكل مستقل عن العوامل الاقتصادية، وتعد أزمة انفجار فقاعة (الدوت كوم)  والمعروفة أيضاً باسم (فقاعة الإنترنت) خلال عامي 2001 و2002 مثالاً واضحاً على ذلك.

 وظهرت “فقاعة الإنترنت” بسبب  طفرة سريعة في تقييمات أسهم التكنولوجيا في الولايات المتحدة التي غذتها الاستثمارات في الشركات القائمة على الإنترنت في أواخر التسعينيات. وارتفعت قيمة أسواق الأسهم بشكل كبير، حيث ارتفع مؤشر(ناسداك) المهيمن عليه أسهم شركات التقنية  من أقل من 1000 نقطة إلى أكثر من 5000 نقطة بين عامي 1995 و2000.

وبحلول نهاية عام 2001، كانت معظم أسهم شركات الإنترنت قد تراجعت. حتى أسعار أسهم التقنية الممتازة مثل (سيسكو وأنتل وأوراكل) قد فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها.  وكان من المتوقع أن يستغرق الأمر 15 عاماً حتى يستعيد مؤشر ناسداك ذروته في سوق الشركات القائمة على الإنترنت، وهو ما حدث بالفعل عام 2015.

ما يهمنا من هذا الحديث أن الاقتصاد السوري بتعدد موارده وتنوع مصادره وديناميكية أعماله ينبغي أن يتجاوز حالات الخوف والهلع مع كل أزمة ارتفاع غير مبررة في أسعار الصرف وأن تبقى الأسواق مستقرة مدعومة من ثقة المستهلكين وتفاؤلهم بمستقبل أفضل اقتصادياً

دمشق في 7/4/2021.- العيادة الاقتصادية السورية

حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (124) – الهلع الاقتصادي