جديد 4E

مع الفساد.. لكن ضد الفساد!

زياد غصن

ثمة مفارقة عجيبة في تصرفاتنا، تجعلنا نبدو أحياناً كأشخاص مزدوجي الموقف والرأي!

لا أقصد هنا السلوك الشخصي لكل منا، فالظروف الحالية جعلتنا نتحدث مع أنفسنا كالمجانين، ولكن ما أقصده يتعلق بموقفنا كمواطنين من بعض قضايا الشأن العام.

بتبسيط أكثر…

هناك إجراءات كثيرة نطالب منذ عدة سنوات المؤسسات الحكومية المعنية بتنفيذها، لا بل والتشدد بذلك، وعندما تتحرك جهة حكومية ما في هذا الاتجاه، نتعاطف مع الطرف الآخر… وننحاز إليه!

فمثلاً…

ليس هناك شخص إلا ويطالب وزارة المالية بالعمل على إعادة النظر بالضرائب المفروضة على رجال الأعمال والشركات والمنشآت بمختلف قطاعاتها واستيفاء ضرائب حقيقية على أرباحها، لكن عندما تتحرك دوريات الاستعلام الضريبي ويقوم بعض المكلفين من أصحاب الضمائر الحية بواجبهم الوظيفي، فإننا نتعاطف مع من طالتهم أعمال التدقيق والتكليف!

كذلك الأمر بالنسبة إلى الجمارك، التي تتهم بالتقصير في مكافحة التهريب بمختلف أشكاله، لكن عندما تقوم دوريات المكافحة بمداهمة بعض المنشآت وتنظيم ضبوط بالسلع المهربة، نتعاطف مع أصحاب المنشآت والمحلات ونتهم تلك الدوريات بالظلم!

هذه الحالة موجودة أيضاً حتى عندما يقوم موظف التموين بتحرير مخالفة بحق صاحب بقالية أو محل لتقاضيه أسعار زائدة أو لارتكابه مخالفة الغش، آنذاك يتعاطف كل الموجودين في المحل من زبائن مع صاحب المحل، رغم أن سلوكه كان يهدد حياتهم أو يسرقهم!

وهناك أمثلة أخرى كثيرة…

ماذا يمكن أن نسمي ذلك؟ هل هو تعاطف يفرضه المزاج الشعبي؟ أم هو موقف معتاد جراء حالة عدم الثقة التي تميز حالياً علاقة المواطن بعمل المؤسسات الحكومية؟

ربما يتفق معي البعض أن هذا التناقض ليس وليد اللحظة، ولا يمكن أن يكون بسبب ما يجري تداوله من معلومات هنا أو هناك، قد تكون صحيحة أحياناً، وغير صحيحة أحياناً أخرى، فالأمر باعتقادي أعمق من ذلك، وهو نتيجة طبيعية لثلاثة عوامل رئيسية مكملة لبعضها البعض، وهي:

-ثقة المواطن بوجود انتقائية في تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات. انتقائية ناجمة عن نفوذ وسلطة شريحة لا يجرأ أحد على الاقتراب من مصالحها وأعمالها.. فمثلاً هل جميع المكلفين ضريبياً يلاحقون قانونياً كما قد يلاحق صاحب محل صغير  في حارة شعبية؟ وهل جميع المهربين أياً كانت سلطتهم على لائحة الملاحقة، وإلا كيف تصل السلع المهربة باستمرار إلى داخل الأسواق المحلية؟

-ثقة المواطن أن بعض الإجراءات على أهميتها وضرورتها، إلا أنها تستخدم من قبل بعض العاملين كبوابة لتحقيق مصالح غير مشروعة لهم هنا وهناك، وتالياً فإن المواطن يفضل الانحياز إلى الآخر، وهو يعلم أنه قد يكون مخالفاً للقانون، لكن المهم أن يقطع الطريق على فساد بعض العاملين.

-ثقة المواطن أنه لا جدوى من كل ذلك طالما أن هناك فساداً أكبر لا يُعالج، ولا يستطيع أحد أن يقترب منه، بدليل حجم الفساد الذي بات يحاصر لقمة عيش الناس، وانتشار ظاهرة الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وتعديهم على حقوق الناس والدولة معاً.

والحل؟

هناك ضرورة لتبني سياسة من شأن تنفيذها تأمين دعم شعبي لعمل بعض الجهات والمؤسسات الحكومية. سياسة تقوم على الركائز التالية:

-فرض الدولة هيبتها عبر تطبيق القانون على الجميع من دون أدنى استثناء أو مظلة حماية لأحد أو تمييز.

-استعادة ثقة المواطن بالمؤسسات التي من مهامها المحافظة على حقوق الدولة والمواطنين ومكافحة الفساد المتزايد، وهذه خطوة تتطلب من تلك المؤسسات سلسلة محددة من الإجراءات المدروسة، تبدأ بمحاسبة العاملين الفاسدين والتعامل بشفافية مع جميع الملفات والهواجس المطروحة شعبياً.

-استبعاد حالة الانتقائية في تنفيذ المؤسسات لمهامها أياً كان حجم تلك الانتقائية ونسبتها، والتركيز على معالجة الملفات التي يمكن أن تترك أثراً شعبياً إيجابياً مباشراً.

-إتاحة الوصول بسهولة إلى المعلومات أمام الباحثين والصحفيين بالنظر إلى تأثيرهم في توجهات الرأي العام ودورهم في إشاعة الحقيقة، مقابل السيل الهائل من المعلومات غير الموثقة، والتي تنتشر كالنار في الهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي.

أما بعد – الزاوية الأسبوعية في موقع مجلة المشهد بنسختها الالكترونية…