جديد 4E

الدرّة تنتج 400 نوع تسوقها في 80 دولة وفرص كبرى للصناعات الغذائية يخسرها البلد وقطاع الأعمال

رغم أن التصدير من الأنشطة الساخنة المجدية.. فهو يحقق خسائر كبرى بتركيزه على المنتجات الزراعية الخام

علي محمود جديد

ما يزال مجتمع رجال الأعمال في سورية يُفوّت على نفسه الكثير من الفرص الاستثمارية والعملية المبنية على مواد أولية منتجة محلياً، ولاسيما بالنسبة للمنتجات الزراعية التي تزخر فيها البلاد، ما يضعنا أمام خسارة الكثير من القيم المضافة التي ما نزال غير مُقدّرين، أو ربما غير مكترثين لأهميتها، حتى أن تصدير المنتجات الزراعية بشكلها الخام – والتصدير يعتبر من الأنشطة الساخنة اقتصادياً نظراً لأهميته في تأمين القطع الأجنبي – ما هو إلا خسائر غير منظورة ناجمة عن مراحل صناعية كان يمكن لتلك المنتجات الزراعية أن تمرّ عبرها لتعطيها المزيد من القيم المضافة التي من شأنها تأمين كمٍّ أكبر من القطع الأجنبي عند تصدير تلك المنتجات نفسها ولكن بشكلٍ مُصنّع .

أن نُصدر منتجاتنا الزراعية هو إنجاز، غير أنه ليس إنجازاً باهراً على الاطلاق ما دمنا قادرين على زيادة قيمة تلك الصادرات أكثر ولا نفعل.

لقد أثبتت الوقائع أن بعض الشركات الصناعية المتخصصة في الصناعات الغذائية والتي التقطت أهمية استثمار المنتجات الزراعية المحلية، استطاعت أن تحقق نجاحات باهرة ليس على المستوى المحلي بل على مستوى العالم، ومن هذه الشركات – مثلاً – شركة الدرة العالمية، حيث يعود تاريخ هذه الشركة إلى نهايات القرن التاسع عشر في بلدة عربين في الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق، والتي اشتهرت بالزراعة منذ القدم، حيث بدأت بإنتاج القمر الدين و دبس التمر ودبس العنب المجفف التي كانت كلها تصنع يدويا حتى عام 1979 حين بدأت الشركة بتقديم منتجات مختلفة لتلبية السوق المحلية، وفي منتصف سبعينيات القرن العشرين جاء الجيل الثالث من آل الـدرّة ليكمل ما بدأه الآباء والأجداد وليصنع هدفاً كبيراً وهو الوصول الى العالمية، فتم تسجيل شركة الدرة عالميا وأصبحت ماركة الـدرّة – ( Durra ) مسجلة عالمياً بجميع حقوق الملكية الفكرية والصناعية والتجارية.

شركة الدرة تصل اليوم بمنتجاتها إلى أكثر من ثمانين بلداً في العالم، وقد افتتحت مراكز لبيع منتجاتها في تلك الدول، ونجحت بقوة لأنها حافظت على الذوق والجودة وبراعة القدرة على تلبية رغبات الزبائن.

طبعاً هذا النجاح لم يأتِ هكذا عبثاً فهناك تاريخ طويل وعريق لهذه الشركة تم الحفاظ عليه عبر جهود مؤمنة بأهميته ومضنية، حيث بدأت هذه الشركة من البداية بمعصرة للتمر والعنب المجفف، ومن ثم القمر الدين المجفف من عصر المشمش.

كان هذا في أربعينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الزمان تطلع المنتجون في شركة الدرة نحو التصدير، فاستثمروا وجود الخط الحديدي الحجازي و ابتدأ التصدير في هذه المرحلة عبر ذلك الخط الذي يصل دمشق بالمدينة المنورة عبر الاردن و فلسطين.

وهكذا تطورت الشركة شيئاً فشيئاً عبر قفزات نوعية متتالية إلى أن تم في عام 1980م افتتاح معمل في انطاكيا وأصبحت المنتجات تتنوع والأسواق تتعدد وتتوسع ومع تسعينيات القرن العشرين ازداد تألق الشركة ومنتجاتها، وتبلور وضع الشركة كرائدة للصناعات الغذائية في الوطن العربي .

في هذه الفترة قامت الشركة بتشكيل إدارات متخصصة تشرف كل واحدة منها على نشاط من أنشطة الشركة بهدف التسويق عبر العالم وهذا ما حصل فوصلت منتجات الشركة الى أكثر من ثمانين دولة حول العالم ، ووصل عدد منتجات الشركة إلى أربعمائة منتج غذائي ينافس الماركات العالمية وبأيادي وطنية.

 تاريخ عريق ومشرّف يحكي قصص نجاح متعاقبة عبر الأجيال المتلاحقة، وهذا يؤكد أهمية ما ذهبنا إليه حول أهمية استثمار محاصيلنا الزراعية بالصناعة، وأهمية وجود تجربة الدرة في الحياة الاقتصادية السورية هي التأكيد على أهمية الاتجاه نحو الصناعات الغذائية، كما أن هذه التجربة الناجحة تعطي من يريد الانخراط في هذا الاتجاه اطمئناناً كبيراً لنجاح استثماراته، حتى تبدو وكأنها ليست مجرد دراسة جدوى اقتصادية ناجحة وجذابة، وإنما هي تطبيق عملي للجدوى الحقيقية من مثل هذا الاستثمار، إذ يمكن فعلاً لكل مستثمر بهذا المجال أن يستفيد كثيراً من نجاحات الدرّة ويمشي خطواته بثقة الناجحين سلفاً.