وصال عبد الواحد – السلطة الرابعة
عُرف المجتمع السوري بكرم الضيافة وحُسن استقبال الضيوف والترحاب بهم، وكان لطقوس استقبال الضيف عادات خاصّة ومميّزة توارثناها عن الآباء والأجداد، ويؤدّونها بكل حفاوة وعطاء.
ولكن وبمرور الزمن وخاصّة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي باتت تُطبق على أنفاسنا جميعاً، وانتشار الوباء العالمي الذي لا زال يعصف بجميع الدول، طرأت تغيّرات وتبدّلات على ( اللاحة ) العامة لتلك الطقوس، وأصبحت علامات الكبر والتقدّم في السنّ واضحة عليها بشكل كبير بالرغم من محاولاتها المتكرّرة لإخفاء ذلك ولكن لن يصلح العطّار ما أفسده الدهر.
إلا أنّ ضيفاً واحداً فقط لم يتأثّر بكل هذه التغيّرات والتبدّلات التي عصفت بحياتنا، ونجده لا يزال مواظباً على زيارتنا بموعد أو حتى بدون، متجاهلاً كل التقلّبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وضارباً بها عرض الحائط دون اكتراثٍ أو حتى تقديرٍ منه لمراعاة أحوالنا البائسة، ولكن يبدو بأنه متأكدّ من أنّ الشعب السوري معروفٌ بكرمه وحسن استقباله ومعتمداً في ذلك على قصّة الطائي الذي قام بذبح حصانه من أجل أن يُكرم ضيفه ويُحسن استقباله.
هل خطر ببال أحدكم عن أي ضيفٍ أتحدّث؟!
اسمحوا لي أن أساعدكم قليلاً، الإجابة موجودة في السؤال نفسه!!! كثيراً منكم الآن سيعودون ليقرأوا سؤالي مجدّداً.. نعم أصبتم، هذا الضيف هو الفِكر والمحمّل عادةً بالقليل من الإشارات الإيجابية والكثير الكثير من الإشارات السلبية!!
اليوم قرّرت أن أردّ له هذه الزيارات الميمونة، وأذهب إليه صباحاً، حملت نفسي وكنت ثقيلة بالفعل في هذا المشوار، وأنا في طريقي إليه تعب المشوار فطلب مني أن نستريح قليلاً، فوافقت واشتريت “فنجانيّ قهوة” وتابعنا المسير ووصلنا أخيراً إلى مدينة الأفكار. دخلت إليها بتصريح سائحة. رأيت في مدينة الأفكار حياةً كاملة، أفكار مسنّة يغتبن بعضهنّ البعض في غرفة الجلوس، وكانت هناك فكرة تحضّر الطعام وهي تهمس بمسبّات ليست مفهومة على أحد. وهناك فكرة طويلة تضحك بصوت عالٍ وتسخر من صديقاتها ذوات الفِكر القصير والمتهوّر، وفكرة سمينة تحبّ الجلوس والنوم، وفكرة نحيلة (تتّبع نظام ريجيم) كي لا تُصاب كصديقتها بالسمنة والخمول، وفكرة شيطانية وثانية حزينة وثالثة إرهابية ورابعة خيالية و…. إلخ. يعني حياة كاملة متكاملة تشبه حياتنا الحقيقية.
وأنا أهمّ بوداع الأفكار والخروج من باب مدينتهم، كان لابدّ لي وأن أمرّ بسوق الأفكار وهناك استوقفني مشهد جريء للسيد (فِكر) وهو من أحد الشخصيات البارزة وهو يشاكس الآنسة (فِكرة) التي كانت تعمل عنده، لتحصل على أجرٍ زهيد تسدّ به رمق إخوتها الصغار!! كان (الفِكر) يتحرش بقوة بالفكرة حتى بدأت تصرخ!! مشهدٌ استفزّني فعلاً ودفع بيّ إلى الصراخ في وجهه قائلة: “فعلاً يلي استحوا ماتوا، استغلال حاجات الناس ظلمٌ كبير؟؟؟” ابتسم في وجهي وقال: عربية البنت؟! روّقي وهدّي حالك، والله ما بتطلعي من هون بلا غدا.
أما آن لهذا الفِكر اللئيم أن يترجّل عن رؤوسنا قليلاً، أما آن له أن يغيّر طريقته في محاربة حاجاتنا وآمالنا وأحلامنا، أن يعطي لنفسه مبرّراً ليُشفق على معاناتنا وهمومنا… إن لم يرغب هو بالحسنى، فنحن في يومٍ سننتصر عليه ونجبره على الرحيل من دون رجعة.