حوّاء الحبّ والسلام، كل عام وأنتِ الأقوى..في يوم المرأة العالمي لقاء غنيّ ومتميّز مع المقاتلة الاستثنائية د. هلا الشاش
طريق المرأة في سورية شاقٌّ وطويل.. ومعاركها عنيفة ومستمرة في المنزل والشارع ومكان العمل أو مع المنظومة الدينية والاجتماعية وحتى الاقتصادية
وصال عبد الواحد – السلطة الرابعة
استثنائية… لأنها واحدة من بين القطع المعدنية النفيسة التي سُكبت بطريقة بدائية، فخرجت إلينا على شكل عملة نادرة، لفتت أنظار من حولها ممن يقدّرون قيمتها ويبحثون عنها ليجمعوها ولو دفعوا ثمناً باهظاً من أجلها. استثنائية… لأنها تشبه طوابع البريد القديمة الملصقة على رسائل يفوح منها الصدق والأصالة والحبّ النقيّ. استثنائية… لأنها تشبه منحوتة فنّانٍ مبدع غيّر مسار الحياة إلى الأجمل، غامر وذهب أبعد، ورفض استخدام قالب لتكرار منحوتة مشهورة لفنان مرّ قبله.
من عيونها تلمع الحكمة ويختبئ الوقار، مقاتلة حرّة تحمل سلاح الفكر لتربّي وتعلّم وتؤثّر، ولا تتنازل عن مبادئها ولا تستبدل أفكارها بعملات متداولة!!
إنها وثيقة غير مقلّدة لتاريخٍ حافلٍ بالعمل والعطاء والإصرار والاجتهاد والتحدّي من أجل بناء وكرامة وحرية هذه الأرض المباركة.
د. الشاش : دكتوراه في إدارة الأعمال ، اختصاص إدارة موارد بشرية من جامعة عين شمس، وتشغل حالياً منصب مديرة الموارد البشرية في الجامعة العربية الدولية، وعضو في مجلس إدارة شركة ألبا غروب للصناعة والتجارة في جمهورية مصر العربية، وعضو في المجلس الاستشاري النسائي.
في يوم المرأة أو ما يُمكن تسميته أيضاً بحركة “الخبز والورد” والتي ظهرت في نيويورك، حيث أنّ الوردة رمزت إلى الحبّ والتعاطف والمساواة، والخبز رمز إلى حقّ العمل والمساواة فيه.
انتهزت هذه الاحتفالية الهامّة والجميلة للحديث مع د. هلا عن وضع المرأة في سورية بشكل عامّ وبدأت حواري معها على الشكل التالي:
– كيف تقيّم د. هلا وضع المرأة في سورية؟ وبرأيك هل استطاعت أن تأخذ دورها المناسب واللائق؟ وكيف؟
– بشكلٍ عامّ لا يمكننا الفصل بين وضع المرأة ودورها في سورية، وأوضاع بقية النساء وأدوارهم في المجتمعات الأخرى، وبشكلٍ خاصّ لا يمكننا أيضاً الفصل بين وضع المرأة ودورها في سورية، عن أوضاع بقية أطياف المجتمع السوري.
وحتى يومنا هذا، لا زلنا نجد أنّ دور المرأة في كثيرٍ من الدول لا يزال بسيطاً مع ملاحظة وجود فروقات كبيرة ومتباينة عن دور الرجل في العديد من مجالات الحياة المختلفة، وحتّى في الدول التي تسجّل المستوى الأعلى للمساواة بين الجنسين، نجد أنّ النساء لا زالت تتقاضى أجوراً أقلّ من أجور الرجال! وواقعياً ورغم التطوّر الكبير في الحضارة الإنسانية، إلا أنه في مجتمعاتنا العربية لا تزال هناك مساحة فاصلة بين الرجال والنساء في الكثير من الأمور، ليتسع بعدها الفارق في دورهما، حيث تزداد مساحة العادات والتقاليد الموروثة لتزداد معها مساحة الفكر الذكوري، مما يُحمّل المرأة مسؤوليات كبيرة، تدفعها دائماً لأن تزيد من تضحياتها. فكيف سيكون الحال في سورية وخاصّة في ظلّ معاناة طويلة مع الحرب والفساد، والتي ولّدت جميعها ظروفاً اقتصادية واجتماعية قاسية، يمرّ بها جميع السوريين.
إنّ المجتمع الديمقراطي سيعزّز فكرة (الرجل المناسب في المكان المناسب) وعندها سنجد أن المرأة ستتبوأ المناصب والأدوار المناسبة لها تلقائياً.
سيبقى دور المرأة السورية موضوع حسّاس ومعقّد، وأمّا عن تحديد نسبة نشاطها ومشاركتها فستكون غالباً مرتبطة بالعادات والتقاليد الثقافية والدينية والاجتماعية، إضافة إلى ما سيمنحه لها المجتمع من حريات اجتماعية.
وبالرغم من بعض المكاسب التي نالتها المرأة السورية مؤخّراً، فإنه لا يزال هناك العديد من المعوّقات والصعوبات التي تحول دون تفعيل مشاركتها الحقيقية في كافة المجالات.
ولا زلت أرى أنّ طريق المرأة في سورية لا يزال شاقّاً وطويلاً ومُتعباً، ومعاركها عنيفة ومستمرة وقد تبدأ من المنزل والشارع والمدرسة ومكان العمل وأيضاً مع المنظومة الدينية والاجتماعية وحتى الاقتصادية.
-المرأة السورية اليوم نائب رئيس.. وزيرة.. وبرلمانية.. ومديرة وقاضية ومحامية ومهندسة وطبيبة وصحفية وسيدة أعمال وموظفة وها أنت سيدة أعمال، ومديرة للموارد البشرية.. وماذا بعد؟ هل يرضيك ذلك كأمرأة سورية؟ ولماذا…؟ وإن كان لا يرضيك فلماذا أيضاً؟
المرأة السورية ذكية، مجتهدة، محبّة وأيضاً مثقّفة وعاملة ومتعلّمة ولها دور فعّال في الاستثمار والإدارة والعلم والطّب والقضاء، ولكنّ وجودها نادر في مواقع صنع القرار ويتمّ إقصاؤها في كثير من الأحيان وفي أحسن الأحوال يمكن أن يكون دورها على صعيد المشاركة في هذه العملية، وقلّما نجدها تلعب دور القائد.
تمثّل المرأة السورية دوراً نمطياً فقط وتكون مشاركتها خجولة، وهي في أغلب الأحيان ليست حقيقية وذلك بسبب انكفاء كثيرات ممن لديهنّ الإمكانيات لأسباب اجتماعية وثقافية وإيديولوجية ودينية وغيرها وأيضاً بسبب غياب البيئة الداعمة التي تخلق منها شريك مؤثّر وفعّال في كل المجالات لتشجيعها على الانخراط في كلّ القطاعات ومراكز صنع القرار. وعلى الرغم من وجود سيدة في موقع نائب رئيس الجمهورية د. نجاح العطار إلا أنّ هذا التواجد لم ينعكس على تواجد المرأة السورية في بقية مواقع صنع القرار.
مشاركة المرأة الكميّة ليست هي المهمّة بل المشاركة النوعية والفعّالة هي الهدف المنشود.
– من خلال عملك في عدّة قطاعات مختلفة التجارية والصناعية وأيضاً التعليمية، كيف تجدين قدرة المرأة على الانخراط في المجال الذي تكون فيه من كبار المنافسين؟ وكيف يكون التعاطي معهم سواء كانوا رجال أو نساء؟
المنافسة هي جزء من الطبيعة البشرية سواء بين الجنسين أو بين الجنس الواحد وستكون له إيجابيات إن وُضعت له آليات ذكية وعادلة تُحسن استخدامه، فهو سلاح ذو حدّين وبالنسبة إليّ فإنني أفضّل مصطلح التعاون كعملية تكاملية تراعي الاختلافات الحقيقية بين الأفراد، والتفاوت في القدرات والإمكانات، كلٌ حسب قدرته وموهبته بدون أي مقارنات وتقييمات مجحفة.
المنافسة ينتج عنها “رابح وخاسر” أمّا التعاون فينتج عنه عمل جماعي يسوده روح الفريق المنخرط لتحقيق الأهداف المطلوبة. والمرأة قادرة على بناء علاقات تكاملية وبدرجة عالية من تحمّل المسؤوليات مع الالتزام بالحقوق الإنسانية المتساوية والموازية لحجم الواجبات وهي أيضاً قادرة على بناء وإدارة فرق عمل تساهم في التنمية والإنتاج.
- أخيراً.. ماذا تريدين أن تقولي في عيد المرأة العالمي لهؤلاء كلٌ على حده:
- للدولة: نحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام للحفاظ على مواردنا البشرية، فأهمية الأمم الحقيقية تقاس بما لديها من ثروات وموارد بشرية سواء كانوا نساءً أو رجال، وأن توظّف المرأة طاقاتها وإمكاناتها وخبراتها التراكمية من أجل دفع عجلة التنمية والارتقاء بمستوى المعيشة. ودول كثيرة منها الصين واليابان وسنغافورة قد حقّقت معدلات عالية للنمو الاقتصادي واستطاعت أن تتخطّى حاجز التخلّف مرتكزة على ما لديها من موارد بشرية.
- للمجتمع السوري ككل: الناس هم أساس التنمية، وهي تقوم بهم ومن أجلهم، وتساعد في تقدّم المجتمع، وتطوّر هذا المجتمع مرهون بتقدّم وتطوّر موارده البشرية الكاملة والمتكاملة، فلا يمكن لمجتمع أن ينهض اقتصاده ونصف موارده البشرية (النساء) تعاني من أعراض الشلل المبكّر الفكري والاقتصادي.
- للمرأة السورية والرجل السوري في هذه المناسبة: أقول للاثنين معاً أمامنا طريق طويل وشاقّ وذلك من خلال وجود حواجز كبيرة تعيق تنميتنا معاً، ولدينا من الأسباب ما يكفي للتمسّك بشراكتنا وعدم فقدان الأمل بإمكانية التغيير، وما يبدو اليوم تحدّياً ومستحيلاً، فإنه غداً سيكون ممكناً.
لا يسعني اليوم إلا أن أعبّر عن سعادتي وامتناني بوجود سيدات سوريات فاعلات ومؤثّرات، يمتلكن إمكانيات وكفاءات بارزة، وبكثيرٍ من العمل والسعي والطموح للمضي قُدماً في سبيل تحقيق ذواتهنّ، بعيداً عن الصورة النمطية التي فرضها عليهم المجتمع.
وفي النهاية اسمحوا لي أن أوجّه تحية كبيرة لجميع السيدات في عيدهنّ اليوم، وللسيدة السورية بشكل خاصّ، صاحبة الاسم المعشّق بالذهب والياسمين، والروح المشرّبة بطهر النقاء والأصالة، فكلّ عامٍ وأنتنّ الحياة والأمل.