عبد الحليم سعود:
تقول الحكاية إن مذيعة أميركية استضافت في برنامجها الحواري الملياردير الأميركي الشهير بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت المشهورة، وسألته عن سر نجاحه وثروته، فتناول دفتر شيكاته ووضعه أمامها طالبا منها كتابة الرقم الذي تريده ليقدمه هدية لها، فرفضت عرضه فكرر عليها العرض، فأصرت على الرفض، فقال لها: كان بإمكانك أن تكوني أغنى مذيعة في أميركا لو استغليت هذه الفرصة، فقالت له: هل نستطيع إعادة الحلقة، فقال نعم، ولكن قد لا يتكرر العرض وقد لا تتاح لك هذه الفرصة مجددا..!
لا شك أن الكثيرين قد سمعوا بهذه الحكاية ذات المغزى العميق أو قرأوا ما يشبهها، دون أن تتوفر لهم نفس الفرصة لكي يستغلوها، والحقيقة أنه ليس بيننا مَن لم تتح له أكثر من فرصة في الحياة أو تضيع عليه فرص عديدة دون أن يلتقي بيل غيتس أو مارك زوكيربيرغ أو أي ملياردير آخر .
ما أنا متأكد منه أن في بلادنا مجموعة من (الغيتسات) اللاوطنية، تسعى لتكون أكثر غنى منه وأكثر استغلالا للفرص، دون أن تملك سهما واحدا في مايكروسفت أو غيرها من الشركات الناجحة، ودون أن تقدّم للبشرية أو لشعبها أي إنجاز، وفرصتها فقط هذه الأزمات المتتالية وهذا الشعب المحاصر الطيب وهذا الجو الرديء من غياب المحاسبة ومحاربة الفساد.
فغيتساتنا (قياصرة الداخل) يستغلون حالتي الحرب والحصار كأسوأ ما يكون، وينهشون في أجسادنا بشراهة وأنانية وطمع تفوق نظيراتها عند أنثى الضبع، ولا أبالغ إذا قلت بإن أغلب من يعملون بالتجارة هذه الأيام تحولوا إلى مناشير(جمع منشار) يرفعون أسعارهم وفق سعر الـ ($) الصاعد بسبب أو بدون سبب، ويرفعون معها ضغطنا إلى الدرجة التي تجعلنا ضحايا الجلطات والأزمات القلبية (الله يبعد الشر عن قلوبكم جميعا).
ثمة حالة من الإحباط لدى شريحة كبيرة من الناس جراء ما يفعله الانتهازيون ومستغلو الفرص ينبغي أن يصار إلى معالجتها سريعاً قبل أن تتحول إلى حالات مستعصية، فحالات الفاقة والجوع والفقر والبؤس التي بدأت تظهر أعراضها على الناس تشكل تربة خصبة لشتى الأمراض والآفات الاجتماعية الخطيرة، مثل التشرد والتسول والسرقة والسلب والنشل والخطف والتعاطي والدعارة والاحتيال..وانعدام الأخلاق والقائمة تطول، وما إن يسقط المجتمع في مثل هذه الأمراض (لا قدر الله ) فلن يكون هناك أي معنى لأي إصلاح إداري او اقتصادي أو تنوير ثقافي أو تطوير أو تنمية أو إنعاش.. يمكن أن تقوم به الجهات الرسمية، لأن الحامل الاجتماعي الهش والضعيف لا يمكن الاعتماد عليه.
على المستوى الشخصي، لا أحلم بفرصة كالتي ذكرت كي استغلها، ولا أصلح أن أكون فرصة لكل من يريد أن يصبح مليارديرا ..!