عبد الحليم سعود:
لا أبالغ إذا قلت – وقد يشاركني البعض في هذا الرأي – بأننا شعب غريب عجيب يشكل إحدى الظواهر المدهشة في الحياة، وقد تحتار فينا كل مراكز الأبحاث والدراسات واستطلاعات الرأي، إذا ما أرادت تقييم أو تحديد أو توصيف الحالة التي نعيشها.
فرغم حالات الضيق والفقر والعوز والبرد والأزمات العديدة التي تعاني منها أغلبية الناس، إلا أن هناك من يصنفنا – ومعه حق على قولة بونايف بو مالحة – بأننا الأكثر تبذيرا وتبجحا وإسرافا في حياتنا الاستهلاكية والاكثر استيرادا واستخداما للكماليات ومنتجات التكنولوجيا الحديثة من جوالات ذكية عالية المواصفات (آيفون وسامسونغ) وسيارات فاخرة (تسلا وجاكوار وأودي ولكزس وبورش ).. في كل المنطقة، والأكثر فخفخة واستعراضا في جميع المناسبات حتى الحزينة منها.
فرغم كثرة المتسولين والمشردين الذين نصادفهم يوميا بالطرقات، إلا إننا لا نكاد نجد مقهى أو مطعما أو فندقا أو منتجعا فارغا من الزبائن، أو مكانا شاغرا أحيانا، فيما مطاعم البيتزا والشاورما والفروج أكثر ازدحاما من مطاعم الفلافل والمسبحة والفول، أما أسواقنا ومولاتنا التجارية فلا تكاد تخلو من أي سلعة قد تخطر على البال، بما في ذلك لبن العصفور ، وصولا إلى مختلف أطعمة ومستلزمات الرفاهية الخاصة بالكلاب والقطط..!
وكثيرا ما يحاجج بعض المسؤولين في بلادنا بهذه المظاهر الخداعة ليبرهنوا أن الوضع المعيشي أفضل (بخمسين مرة) من ذي قبل، وإذا أردتم قول الحقيقة فإن وضع البعض منا أصبح أفضل بألف مرة من السابق.. ولكم أن تتخيلوا الأسباب والطرق والأساليب التي أدت إلى ذلك، ودائما الغاية اللئيمة تبرر الوسيلة الدنيئة..!
أكثر ما يدهشني – والأحوال كما ذكرت – برامج الطبخ على بعض تلفزيوناتنا الوطنية التي تحفل بما لذّ وطاب وكذلك برامج البث المباشر على بعض الإذاعات، والاتصالات التي يتلقاها المذيعون والمذيعات من أشخاص منفصلين عن الواقع، والحوارات السخيفة التي تجري بين الطرفين على الهواء، وكأن التلفزيون والإذاعة خلقا لطق الحنك والثرثرة وإثارة الغرائز والشهية والمواجع، بدل أن يكونا مخصصين لنقل هموم الناس أو الترفيه عنهم ببرامج ثقافية وعلمية وفنية مفيدة وترفع من سوية الذوق العام.
هامش:
مرّ أحد المسؤولين برفقة كاميرا التلفزيون بجانب المخبز الآلي فأصابته الدهشة بسبب الازدحام، فسأل مستغربا: ما سبب هذا الازدحام يا جماعة.. هل هناك أزمة خبز..؟!
فقالوا بصوت واحد: معاذ الله.. ثم تحلق الجميع حوله بطريقة تثير الدهشة وبدأت حلقات الدبكة والرقص والغناء والهتافات احتفاء بالمناسبة الغالية..!