جديد 4E

أيها التجّار .. سنأمل

علي محمود جديد

تتصرّف بيوتات الأعمال مع الواقع العام في هذه الظروف العصيبة وكأنَّ البلاد بمنتهى الرخاء، حيث تنأى غرف التجارة بنفسها عن الكثير من المسؤوليات المجتمعيّة التي تقرّها الأعراف الأخلاقية ومبادئ التجارة الشريفة، وحتى تلك التي تُقرّها القوانين، فتبدو كأنها في واد، وواقع الأمر في وادٍ آخر.

فعلى الرغم من الحالة الشاذة التي تشهدها الأسواق في هذه الأيام، والمتمثلة بالارتفاع الجنوني للأسعار بشكلٍ غير مسبوق، وبما صار واضحاً أنه يفوق كثيراً طاقة أغلبية السوريين الذين تتنازعهم الأحوال بسوئها وقساوتها، ويعانون من ذلك الانحدار الشديد في مستوى المعيشة فانقلبت حياتهم وتغيّرت أحوالهم، وكل الدلائل والوقائع – حتى الآن على الأقل – تشير إلى أن هذه الأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ، فعلى الرغم من هذا كله لم نجد أي محاولة من قبل رجال الأعمال، ولا حتى أي اهتمامٍ ولا اكتراث تجاه هذا الواقع الصعب، ولا تجاه هذه الأسواق الشاذّة الخارجة عن الأخلاق والقانون، وهم معنيون بإرساء قواعد التجارة الشريفة، وبالفعل كما أشرنا بالمنحى الأخلاقي والقانوني، حيث نصّ قانون إحداث غرف التجارة السورية رقم ( 8) لعام 2020 على أن من اختصاص الغرف المساعدة في تعزيز قواعد المنافسة ومنع الاحتكار في الأسواق (والكشف عن الأعمال غير المشروعة) أو الاحتكارية التي تتعارض مع (الممارسات التجارية الشريفة) لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص.

إن كان تجّارنا الأفاضل يتقيّدون بهذه المفاهيم التي أقرّها قانون غرفهم، ففي الحقيقة نحن لسنا على علمٍ بذلك، فقواعد المنافسة المبنية على تقديم أفضل السلع بأقل الأسعار الممكنة بما يتيح للمستهلكين اختيار ما يناسبهم بأريحيّة، لا نكاد نلمسها في أسواق هذه الأيام باعتبار أن أكثر المواد والسلع لم تعد مناسبة أمام الأسعار المشتعلة ارتفاعاً وبلا هوادة، حتى اختفت أبرز ميزات ومفاهيم المنافسة والتي بات الحديث عنها مؤلماً ومضحكاً في آن واحد، وهي أن المنافسة تؤمّن رفاهية المستهلك .. فإلى أي حدٍّ من الرفاهية هذا الذي وصلنا إليه..؟!

ويبدو – حسب سلوك الغرف التجارية – أن أسواقنا خالية تماماً من أي احتكار، فلم نسمع أن أي غرفة من الغرف حتى الآن قد بادرت للمساعدة في الكشف عن أي حالة احتكارية، ولا عن أي عملٍ غير مشروعٍ لتاجر..!

كما أن الغرف وعلى الرغم من (جهودها المضنية لتضع يدها على ممارسة تجارية واحدة غير شريفة) فإنها لم تستطع، حيث يفيض الشرف الرفيع – بنظرها – من مختلف الأعمال التجارية الحاصلة!.

غير أن الوقائع التي نشهدها يومياً، وتتحدث عن مخالفات جسيمة من الغش والخداع والاحتكار والتدليس والتهريب وما إلى ذلك من الحالات التجارية غير المشروعة وغير الشريفة، لن تُسعف الرأي العام بقبول صمت الغرف التجارية وعدم اكتراثها، وترك المستهلكين مجرد فرائس ينهشها التجار.

ولذلك سنأمل بأن تتيقظ الغرف التجارية وتستيقظ، وتبدأ بإعادة حساباتها من هذا الجانب، حرصاً على الناس وعلى السمعة الطيبة، وعلى شرف التجارة، وعلى احترام قانونها هي، ولاسيما أنّ التجار في هذه الأيام لا يُحسدون أبداً على الرأي العام الذي صار يتشكّل ضدهم بقوة وتسارع، والفجوة صارت واسعة وسحيقة بينهم وبين الناس، وهذا ليس من مصلحتهم، ومن أجل ذلك سنأمل.

صحيفة الثورة – زاوية ( على الملأ  ) 24 / 1 / 2021م