جديد 4E

شعب الدولار وشعب الدينار

بقلم : أخيــل عيـــد

لطالما ضربت العرب المثل بالدينار في إشارةٍ إلى استمالة النفوس عن مبادئها، وإسفافها على ما اؤتمنت عليه وخوضها في الحرام، والحال في سوريا عند ختام العام العاشر للحرب، أن انقسمت الحياة فيها إلى شعبين اثنين أحدهما يحرص كل ليلة على تحويل أرباحه إلى الدولار أو الذهب، بينما يكدح الثاني في سبيل الرمق بعد أن تضاءلت الرواتب إلى حدودٍ غير مسبوقة في تاريخ سوريا، وغدا خط الفقر العالمي سقفاً مرتفعاً بالنسبة لها،

تقول مارغريت ميشيل في رائعتها ذهب مع الريح على لسان بطل الرواية ريت بتلر : تستطيع أن تجني ثروة عندما تنهار حضارة وعندما تنهض حضارة.

لا شك أن شعب الدولار يعي هذه المقولة جيداً، وهو يستغل الفرصة كأحد المنهومين اللذين لا يشبعان، طالب العلم وطالب المال.

الحال بالنسبة للغالبية العظمى من فقراء سوريا الذين كانوا فيما مضى الطبقة الوسطى، ليس أنهم لا يقدّرون حجم الحصار والعقوبات أو أنهم تعبوا من طول الصبر وشدة المحنة، لا ليست هذه هي علتهم….علتهم الأساس هي ما يرونه من شعب الدولار، وما يسمعونه إذ غاب مفهوم العدالة الاجتماعية بالمطلق وهم يعتقدون أن ما يرونه مختلف عما دافعوا عنه وبذلوا في سبيله الدماء، لأنهم يرون أبناء شعب الدولار إما في المغتربات أو في تجارتهم، بينما خسر أبناؤهم أعمارهم وصحتهم ومستقبلهم على الجبهات، كل من تلتقيهم من شعب الدينار سيقص عليك نفس الأقاصيص وسيشغلك بذات الهم، لذلك تراهم نهباً للشائعات التي تجتاحهم وضحيةً سهلة للحرب النفسية، التي أعد لها منذ عشر سنوات وبشكل أكاديمي محترف.

الجميع يقول لك بأن المطاعم والملاهي ممتلئة بشعب الدولار، وأن معظم شعب الدولار يتسوقون من بيروت ويذكرون بأنفسهم من خلال القصور الباذخة، ومن خلال السيارات الفارهة التي تنبعث منها الموسيقى الصاخبة، واللافت أن أكثر ما يغيظ شعب الدينار من شعب الدولار هو النعمة المستحدثة لأن الغالبية العظمى هي أسماء منحولة من المجهول صعد بها المال، بينما أفقد الفقر الطبقة الوسطى احترامها لذاتها، وجعلتهم أذلةً من بعد عز، فكأن سوريا هي أرض بلقيس التي إن دخلها الملوك أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلةً وكذلك يفعلون، ما لم تستجب لرسالة النبي سليمان .

ثمة همسٌ كثير محزن عن التطبيع، تلك إشارةٌ خطرة ينبغي التنبه لها كي لا يضيع الانتصار الذي عُمد بدماء مئات الألوف من الشهداء، فالأشجار قد يصل فيها العطش إلى مرحلةٍ لا تجدي معها السقاية، فيقول قائلٌ إذ ذاك : سبق السيفُ العذل.

صحيفة طريق الحرير – المقال الأسبوعي – 18 / 1 / 2021 م