عبد الحليم سعود
لم أملك وأنا أستلم رسالة الغاز قبل أيام إلا أن أشعر بغبطة عارمة أكبر بكثير من غبطة ذلك المواطن الذي استلم “قنينتي زيت” مدعومتين من صالات السورية للتجارة وكل قنينة سعرها 2900 ليرة ، رغم انتظاري حوالي سبعين يوماً، لأن معلوماتي تقول بأن البعض ينتظرها منذ أكثر من ثلاثة أشهر دون جدوى، بحيث لم يعد لديه حل سوى اللجوء إلى غازاته الداخلية التي يفرزها القولون العصبي نتيجة البرد وشح المازوت وانقطاع الكهرباء والوقفة الطويلة على الافران..!
بالعموم لا أريد إفساد فرحة أصحاب الرواتب والمعاشات التقاعدية بالمنحة التي صدرت أول أمس، فقد صار بإمكانهم الاستدانة على اسمها لشراء مستلزمات سهرة رأس السنة من مأكولات ومشروبات وفواكه ومكسرات وألعاب نارية على ألا يطوش حجر البعض ويسهر في الداما روز أو الفور سيزن أو الشيراتون، وأنصح الجميع ( والنصيحة بفروج) بالسهرة في الفيراشون، كما أنني لا أستطيع طمأنة أحد لسلوك “زعران” رأس السنة ممن يرفعون الأسعار بسبب أو بدون سبب، أو يطلقون الرصاص الابتهاجي كالأوباش مستغلين المناسبة، لأن تجربتي الخاصة مع هؤلاء في الأعوام الماضية لا تسرّ عدواً ولا صديق ولا تصلح أن يقتدي بها أحد، فما أن ابتهجت لقراء الأبراج الذين توقعوا لي ثراء فاحشاً خلال الـ 2020 حتى بدأت الأضرار والخسائر تهطل عليّ مثل “زخ المطر”.
وما دمنا نتحدث عن الـ 2020 التي كانت سنة كارثية بكل المقاييس لمعظم السوريين، وسنة حظوظ لقلة قليلة من أولاد “الحلال”، فقد لفت نظري العديد من القرارات المشؤومة الصادرة عن جهات عامة، فارتفاع سعر الاسمنت بشكل جنوني قياساً بالدخل الوطني للفرد سيحكم على جيل طويل عريض بموت أحلامه بشراء أو اقتناء منزل في حياته وحياة أولاده إذا فكر أن يتزوج أو ينجب، حتى ولو كان هذا المنزل أكبر من علبة السردين بقليل، كما أنه سيعطي لتجار العقارات مبررات إضافية لحرق نفس المواطن الذي يريد أن يبني أو يرمم أو يصلح بيتاً طالته يد التخريب والتعفيش خلال الحرب، فإصلاح حنفية يتطلب موازنة خاصة وحملة تقشف قاسية، فكيف بمن يفكر بشراء منزل؟ ولعل أكثر ما أثار حفيظتي هو المصرف العقاري الذي رفع قروض السكن إلى 15 مليون ليرة، بواقع قسط شهري يصل إلى حدود مئتي ألف ليرة “آسف على أي خطأ في الأرقام” ، والجميع يعلم أن رواتب الشريحة الأكثر احتياجاً للسكن لا تتجاوز وسطيا ال 60 أو 70 ألف ليرة، في حين أن أصغر منزل بالعشوائيات يتجاوز سعره ال 20 مليون ليرة.
هامش (1)
يقول المثل العربي”صحيح لا تقسم، ومقسوم لا تاكل، وكول لحتى تشبع”..من المؤكد أننا سنظل جوعى!!!
هامش(2)
يقول مثل آخر “عاقل يحكي ومجنون يسمع أو مجنون يحكي وعاقل يسمع”…لا أعلم من المجنون ومن العاقل بيننا..!!
هامش (3)
يقول أنشتاين: السؤال الضبابي الذي يدفعني للجنون أحياناً: هل أنا المجنون أم الآخرين؟ شغلة بتحط العقل بالكف يا ابو النسبية…!
هامش (4)
أقول أنا (وأعوذ بالله من كلمة أنا): قمة الجنون أن تصدق أن موظفاً شريفاً من ذوي الدخل المحدود قصد المصرف العقاري بهدف الحصول على قرض سكن”..!