جديد 4E

العدالة على كف عفريت.. والعالم ما يزال بعيداً عنها…!!

أحمد هيجر

أحمد هيجر

يقولون إن العدالة لابد أن تأخذ مجراها وأن تقتص للبريء من المذنب وتوقع العقوبة على مستحقيها وان أفلتوا من قبضة القانون..

وان الحق لابد من أن ينتصر على الباطل وان طال الزمن..

بيد أن هذه الأقوال لا يؤيدها دليل قاطع يعول عليه..

وليس ثمة احصاءات يوثق بها تدعم هذه المزاعم..

حقيقة إن صفحات التاريخ والحوادث الراهنة الجارية في بلدان عديدة من العالم والتي لا تخلو من حروب ومنازعات وقضايا ووقائع وقصص.. علا فيها الحق على الباطل وأظهرت الأيام فيها أن النصر في النهاية للمظلوم والهزيمة للظالم والغاصب..

غير أن العكس كذلك صحيح..

فصفحات التاريخ والحوادث الجارية اليومية مليئة بالظلم الصارخ الذي يقع على رؤوس الأبرياء مفعمة بسجلات الشقاء ووثائق التنكيل والتعذيب المدموغة بدماء الشهداء..

وقد حاول الانسان منذ الخليقة أن يقيم العدالة على الأرض ما استطاع الى ذلك سبيلا..

فابتكر القوانين وسن الشرائع وأنشأ المجالس النيابية والسلطات التشريعية على اختلاف أنواعها.. ونظم السلطات القضائية وفصل اختصاصاتها.. وأقام السلطات التنفيذية لإخراج الأحكام الى حيز العمل..

ورغم هذه الجهود على مدى أجيال وعقود..ومابلغه العقل الانساني من علم وحضارة.. لانزال بعيدين عن العدل بمراحل..

فالشرائع والقوانين تختلف من بلد الى بلد ومن مدينة الى مدينة في البلد الواحد أحيانا..

ويختلف تطبيقها من عصر الى عصر ومن حاكم الى حاكم..

كما يختلف باختلاف من يأتي تحت طائلة العقاب من أفراد وجماعات..

ولو اقتصر الأمر على هذا لهانت المسألة..

غير أن العدالة تنهار من أساسها أو تكاد اذا علمنا أن نسبة الذين يمسهم القانون من قريب أو بعيد لاتكاد تذكر بجانب من يفلتون منه..

ومن أطرف ما قرأته مرة بهذه المناسبة عبارة ساذجة جاءت في قرار المحلفين في بلدة أوربية ريفية في احدى قضايا القتل هذا موجزها :

“لقد اتضح لهيئة المحلفين في هذه المحكمة بأدلة لا يتطرق اليها الشك أن المتهم لم يرتكب جريمة القتل هذه لأنه كان متغيبا عن البلدة في ذلك اليوم بأكمله.. وأنه كان لا يتورع عن ارتكابها فيما لو كان موجودا بها”

ولعل هذا القرار على سذاجة كاتبه دليل على صحة الفكرة التي نرمي اليها في هذا الموضوع..

وقد صدق العالم الاجتماعي الذي قال ان هناك عدة فروق بين المجرم والبريء وأحد هذه أن البريء هو الذي لم يقبض عليه متلبسا بالجريمة بعد..

يضاف الى هذا أن الفقير لا يستطيع الدفع اذا حكم عليه بالغرامة دون الحبس..

ومعنى هذا أن المجتمع لا يعدل بين الناس وأن القانون أشد قسوة على الفقراء منه على الأثرياء..

كيف لا..وهو في الكثير من الحالات يخير المتهم بين دفع غرامة أو الحبس..

فاذا كانت الغرامة تقدر بنحو مليون ليرة ولم يكن في وسعه دفعها قضى في السجن ثلاث سنوات..

فلا عجب أن ٥٧ % من نزلاء السجون  في بلدان مختلفة هم ممن عجزوا عن دفع الغرامات..

ويستخلص من هذا أن المواطن في أي بلد كان وأيا كانت القوانين التي تتبع فيه لا يعاقب لأنه ارتكب جريمة وانما يعاقب لأنه لم يأخذ الحيطة الكافية في ارتكابها فلم يستتر ولم يرتكبها في الخفاء ولم يفلت من قبضة القانون..

ولندع القانون جانبا هنيهة فنوجه أنظار القارئ الى ناحية أخرى من نواحي العدالة الاجتماعية أو اذا شئت المظالم الاجتماعية..

فهناك مئات الملايين من سكان العالم الذين يفرض مجتمعهم على المرأة فيه قيودا أخلاقية يعفى منها الرجل..

وسوى ذلك فان ما يفرض على المرأة في بلد تعفى منه زميلتها في بلد آخر..أو على الأقل تعامل بقدر كبير من التسامح..

فمن الدراسات العلمية الفريدة في بابها التي قامت بها هيئة جامعية علمية في احدى البلاد الكبرى اتضح أن ٩٠ % من الذكور اعترفوا بأنهم اتصلوا اتصالا جنسيا خارج العلاقة الزوجية..وان المجتمع لم يعاقبهم أو يعرف عنهم شيئا..

فأين العدالة ؟

ولو أن هناك دراسات في هذا الموضوع في كافة بلدان العالم لاتضح لنا أن العدالة على كف عفريت وأن العالم مايزال بعيدا عنها..ومايزال ميزانها حتى في أرقى البلدان وأكثرها حضارة مختلا مفتقرا الى الكثير من الاصلاح..!!