جديد 4E

عظام من ذهب…!

عبد الحليم سعود

 لا أخفيكم بأنني مللت من حديث الأزمات والطوابير ، فلا أحد  يعيرها أي انتباه او اهتمام، وكنت سأتجاهل أزمة الخبز – حيث لم يعد له أي لون – وأتطرق إلى موضوع آخر بعد أن تأكدت أن لا حل مرتقب لهذه الأزمة إلا برفع السعر والانتهاء من مسرحية الدعم (التي صدعوا رؤوسنا بها في السنوات الماضية) أسوة بحل أزمة البنزين، وعندها من يعلم شكل وحجم الطبقة الجديدة التي ستضاف إلى طبقاتنا شديدة التفاوت الاجتماعي، ولكن حادثتين انشغل بهما رواد الفيسبوك خلال الأسبوع المنصرم، أجبرتاني على تغيير رأيي والعودة لإثارة وتكرار نفس القضية التي عانينا منها مرات عديدة دون فائدة ترتجى من إثارتها…!

 لا أعلم لماذا خطرت في بالي رواية الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل (المزرعة)، عندما سمعت بقصتي الآيفون 12 وأقفاص الدور على أفران ابن العميد، ولكني شعرت بالحزن بسبب القصة الأولى  أكثر من القصة الثانية، فالدفعة المستوردة بالدولار  من بلاد العم سام – التي تسرق نفطنا وتحاصرنا وتحتل أرضنا وتهددنا بالمزيد –  نفدت ولم يتمكن جزء من المتدافعين أمام الصالة من الحصول على نصيبه هذه المرة (خيرها بغيرها والجايات كتار)  في حين استطاع جماعة الأقفاص الحصول على مخصصاتهم المدعومة من الخبز بكل (احترام)  وعادوا إلى بيوتهم وهم يهتفون بحياة الوزير  والاقفاص والدعم، ولذلك أقترح عندما تأتي الدفعة الثانية من الآيفون (المعظم) أن يصار إلى توزيعها بحفل فني ساهر تحضره هيفا وهبي ، لأن الطبقة الجديدة التي ولدت بعد أزمتي البنزين والخبز تستحق كل (الاحترام)  ولا سيما أنها جمعت أرصدتها من (تعبها وعرقها) ولم تغادر البلد أسوة بباقي الشعب (المغترب) في بلدان الإمبريالية والاستعمار.

 قال لي صديق (عينه ضيقة وحسود كتير) إن الآيفون ١٢ المورد إلى بلد انهكتها الحرب والأزمات والحرائق هو الأحدث والأكثر تطوراً حالياً في عائلته، وأن سعره مشجع جدا ( حوالي خمسة ملايين ليرة سورية …زائد ناقص مليون مو مشكلة )، وأن دمشق كانت السباقة بين العواصم العربية إلى هذا المجد العظيم بحيث حصلت على هذه السلعة التموينية الضرورية ذات الخط الاحمر لأهميتها في مجال التنمية والاعمار  (لنا الآيفون دون العالمين أو الشماتة).

 حدثني لقلوق بن حفيان، وكان يحلم بالحصول على مخصصاته من عائلة الآيفون، أن عطالاً بطالا ثرثارا كان يعمل لقلوقا عند أحدهم قبل الحرب حيث أصبح صاحب أكبر صالة موبايلات ذكية، قائلًا: هل تعلم يا صديقي أن التزاحم للحصول على الآيفون الجديد كان الأشد من نوعه خلال سنوات الأزمة، وأن العديد من المتزاحمين أصيبوا بكدمات وبعضهم أصيب بأزمة نفسية لأن الكمية نفدت قبل أن يحصل على نصيبه ..؟! وقد توصل اللقلوق الأول من خلال إحصائية خاصة باللقلوق الثاني إلى أن الاقبال على شراء الأجهزة الخليوية الحديثة يوازي إقبال زوجات المسؤولين وتجار الأزمات على عيادات التجميل والشفط والنفخ، ناهياً حديثه بجملة لم تخطر على بال جورج أورويل في روايته (يا أخي السوري عظمو من ذهب )…؟!

 شردت للحظة وأنا استمع إلى هذه الخلاصة (المفزعة) ومرّت في بالي الكثير من الأحداث والطوابير والأزمات…، ثم تلمست عظامي واحداً تلو الآخر وسألته بشيء من الرهبة والقلق : أليس من الضروري أن نقوم  بالتأمين على عظامنا بعد أن تأكدنا من معدنها الثمين..وخاصة بعد أن أصبحت عظامنا مكشوفة لا شحم ولا لحم ولا من يحزنون ..؟!