جديد 4E

الحفرة وقاع البحر..!

عبد الحليم سعود

 يبدو أن تعليق المشكلات التي نواجهها على مشجب الأزمة والحرب بات العصا السحرية في أيدي معظم المسؤولين في بلدنا، إذ لا نكاد نسمع مسؤولاً يعترف بتقصيره في أداء دوره الوطني بل سرعان ما يزج بالحرب والحصار والعقوبات كمبررات جاهزة للتهرب من المسؤولية، ومع إقرارنا بوجود عوائق وتحديات كبيرة أمام البلد بصورة عامة نتيجة الحصار والعقوبات، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود عوامل ذاتية يمكن أن تخفف من الأعباء التي ترهقنا، كحس المسؤولية والمبادرة والإبداع والاجتهاد والإخلاص في العمل للصالح العام بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة، ومن الضروري أن تنحصر مهمة المسؤول في أيامنا الصعبة بالبحث عن حلول مبتكرة للمشكلات والأزمات وليس البحث عن مبررات الفشل والتقصير، فمن كان عاجزاً عن أداء دوره كما يجب فليترك موقعه لمن هو أجدر منه..!!

فنحن بحاجة لهذه الثقافة كي نوقف التدهور المستمر في أوضاع البلد و الناس، ولعلكم توافقوني بأن معظم الفاسدين لدينا متشبثون بمواقعهم وكراسيهم لا يتزحزحون عنها قيد أنملة إلا بتدخل شخصي من عزرائيل، وثمة شعور بأن البعض منهم عقد مصالحة أو هدنة مع هذا الملاك الرهيب، لينحصر اهتمامه فقط في إزاحة كل كفاءة تشكل خطراً على امتيازاته ومكاسبه، وهذا ما يجعل مشكلاتنا تراوح في مكانها دون حل إن لم نقل أنها تتفاقم نتيجة العقلية المريضة التي تتعاطى معها.

 أحد الأصدقاء شبه الوضع الذي نعيشه حالياً “بالحفرة” التي يسقط فيها الجميع، وبدل أن نبحث “كحكومة وشعب” عن طريقة مناسبة لردم هذه الحفرة، ينصب جهد البعض  على تحسين وضعها، فيقوم بتجهيزها بمختلف وسائل الراحة والرفاهية من كهرباء وماء ونت ومواد غذائية ومنافع مختلفة على اعتبار أن الإقامة فيها ستطول..؟!

 ففي كل عام تقريباً، وفي أواخر الصيف تحديداً “موعد رسمي” تجتاح غاباتنا الحراجية حرائق “مفتعلة” تقضي على معظمها، ونحن شبه عاجزين عن فعل شيء بسبب ندرة وقلة الإمكانات المتاحة، لنقف فيما بعد نتحسر على الكارثة التي ألمت بنا، كما جرى هذا العام، حيث كانت كارثة الحرائق أكبر بكثير من إمكانات أي بلد في المنطقة، وهذا ما جعل الخسائر المترتبة عليها فوق طاقة شعب أنهكته الحرب وظروف الحصار وغلاء الأسعار والأزمات المعيشية المتكررة.

 البعض طالب بشق طرق زراعية وإنشاء خطوط للنار وتأمين مياه ومعدات إطفاء من سيارات وطائرات وما إلى ذلك، من أجل مكافحة الحرائق وقت اندلاعها، بالطبع هذه عوامل ضرورية للتعامل مع الحرائق ولكنها تتعامل مع النتيجة ولا تدخل في إطار الوقاية والتعامل مع الأسباب، وإذا اقتصرت جهودنا على هذه الأمور فسنظل نلدغ من نفس الجحر كل عام..!

 ومن الضروري جدا كعمل وقائي من الحرائق إصدار تشريعات قاسية جداً بحق كل من تسول له نفسه العبث بأمننا البيئي وكل من تثبت إدانته بارتكاب جريمة إشعال حرائق لأي سبب كان، لأن هذه الجريمة مركبة تقتل البشر والشجر والحجر والحيوان وتترك آثارا سلبية لسنوات قادمة على الطبيعة والبيئة، ومن الضروري إقامة مخافر ونقاط تفتيش حول كل موقع حراجي أو غابة لمنع أصحاب النفوس الضعيفة من تخريبها، أي تحويل هذا الغابات إلى محميات طبيعية ممنوع العبث فيها بأي شكل من الأشكال..!

 لفت نظري في إحدى القرى المحترقة بالساحل تعامل الأهالي مع الحريق بوسائل بدائية جدا، فسألت عن الماء..؟! فكان الجواب: أن المياه مقطوعة أغلب أشهر الصيف وهم  يعتمدون على الصهاريج للشرب والغسيل، فتذكرت الهطولات المطرية الغزيرة التي تذهب الى البحر لتسكن في قاعه النظيف بانتظار من يستفيد منها كحوريات البحر وحيتان الأعماق، في حين تبقى هذه القرى عطشى لغاية في نفس مدري مين..والله اعلم بالنوايا؟!