جديد 4E

المطر الهاطلُ من سقف الدنيا

سهيل خليل

صحوت قبل الفجر على عزف زخات المطر، وهل هناك شيء أجمل من صوت المطر وهو يغسل اوراق الشجر فتصير لامعة براقة كعيون الأطفال ..؟ أسمع صوت المطر، بل أسمع موسيقاه، فالمطر الهاطل من سقف الدنيا موسيقا تهدهد أعصابي .. ولست أدري .. كان المطر في الماضي أجمل وأرق . يأتي تشرين وتبدأ الغيوم الكحلية الداكنة تعلو فوق البحر الغامض، كنت أجلس وراء نافذتي الغربية، وتصل إلى مسامعي أصوات نسوة الحارة وهن يجمعن ثمار الزيتون عن الأسطحة كي لا يجرفها المطر، كان أبي يجلس على الشرفة الجنوبية يدخن ويتأمل بسعادة حبال المطر، كان كثير التأمل لأنه كان شاعراً يكتب شعراً وجدانياً وغزلياً ولم أسمعه مرة يتغزل بأمي، وكان يكتب قصائد هجائية بوجهاء القرية لأنهم كانوا مادة دسمة للهجاء، ولم يكن يوفر أحداً ومنهم خالي علي الذي كان مختاراً لقريتين، وذات مساء جلس أبي وأخرج من جيب سترته معلقة وبدأ يقرأ الأبيات المرتبة حسب الحروف الهجائية للأشخاص المذكورين في القصيدة، كانت أمي شبه نائمة، وعندما وصل إلى الأبيات التي يهجو فيها خالي علي، فتحت أمي عينيها وقالت محتجة : يا ويلي .. قصدك خيي علي !!?

قال أبي : والله أقصده تماماً فلقد جاء بطريق القافية، ولست مستعداً لتشويه قصيدتي من أجله ..!!

وتابع أبي قراءة المعلقة، وكان الحضور سعداء لأنه خفف ما في قلوبهم من مشاعر رمادية ضد الوجهاء، ويزداد شهر تشرين تجهماً، وتزداد الغيوم سواداً وهي تتجه نحو الشرق، كنت أتأمل البحر في تشرين و أتابع خيوط المطر النازلة من السماء، كان المطر مذهلاً في تشرين والريح الغربية تحمل معها رائحة الملح وطعم القمح، كنت أحب السير تحت حبال المطر فأحمل نفسي واتجه إلى الحارة الشرقية حيث بيوت أخوالي، كان أخوالي سبعة رجال، مات جميعهم اليوم، أصل إلى حارتهم فأجدهم مع أولادهم منتشرين أمام البيوت وتحت العرائش التي أذبل أوراقها الخريف، والخريف يظل حزيناً رغم أنه يحمل الثمار والأغنيات . فيا أيها الخريف الذي يعود كل عام، ولكنك اليوم تعود أقل جمالاً .. أنا أراه أقل جمالاً والسبب ليس فيه .. بل أنا السبب .. فأنا الذي تغير .. أنا صرت بقايا بل أطلال كائن كان يحب الحياة .. أنا بقايا .. وبعض حكايا…