جديد 4E

قراءة في الحاضر

أنيسة عبود

لم يعد خافياً على الشعوب العربية ما يجري من تباعد فكري وثقافي وأيديولوجي بين الأقطار العربية التي بقينا لأزمنة طويلة ندرس ونؤكد أننا شعب واحد وأمة واحدة، وأن هذه الأمة تحقق كل عوامل الوحدة العربية.

فاللغة الواحدة تصنع الثقافة الواحدة التي بدورها تشكل الآمال والمشاعر المشتركة والتاريخ المشترك للعرب، وبالتالي ينتج عن ذلك ذاكرة موحدة ومصالح متشابكة ومواقف متشابهة من قضايا كثيرة تخص الأمة العربية الواحدة.

وبناء على ذلك التعريف الذي سبق وعول عليه مفكرون كثر مثل ساطع الحصري أيام المدّ القومي وذلك في بداية الخمسينات بعد التحرر من الاستعمار المباشر للعرب وصعود الفكر التقدمي إلى الواجهة.

وبناء على ذلك وقياساً عليه لا بد من الانتباه إلى أن العرب في العصر الحالي لم يعد لهم ذاكرة مشتركة ولا ثقافة مشتركة ..وبالتالي لم يعد لهم القدرة ولا الرغبة بصناعة هذا التاريخ المشترك ولو أن الجغرافية الواحدة ما زالت قائمة على الرغم من زرع الغرب للعدو الصهيوني في قلب الجغرافية العربية لتمزيقها ..وإذا كان هذا العدو لم ينجح حتى الآن بفضل المقاومين المؤمنين بالعروبة، إلا أن هذا العدو الصهيوني استطاع أن يمزق الذاكرة المشتركة للشعوب العربية وبالتالي ضياع التاريخ المشترك لها، إذ من المؤكد أن تاريخ مصر العربية بعد معاهدات السلام وزيارة السادات إلى إسرائيل وتبادل السفارات ورسائل الود والتحيات ليس مثل تاريخ سورية التي ما تزال على مبادئها ومواقفها، لم تتحول ولن تساوم ( كما أكد الرئيس بشار الأسد في خطاباته المتكررة مهما كانت الضغوط ) حيث ظلت العروبة هي العقيدة والمبدأ وظلت فلسطين هي البوصلة الأساسية للنضال والتحرر.

ولا ضير من الاعتراف بأن ذاكرة الشعب السوري محملة بالألم من بعض الأنظمة العربية التي ساندت أعداء سورية وعملت على تدميرها، وتمزيقها إلى مذاهب وطوائف وأعراق وجغرافيات متعددة متناحرة ما أدى إلى مسح الذاكرة المشتركة بينه وبين تلك الأنظمة العميلة إضافة إلى خلخلة التاريخ المشترك معها.

ومع كل الأسف ينظر الجيل الجديد من الشعب العربي إلى العروبة كعبء، أو كما لو أنها ثوب قديم بطلت موضته وعليهم رميه وكأنه غير نافع في زمن العولمة والميديا المخيفة التي تدير العالم كله، من خلال منظومة تحكم قوية تسيطر عليها الأنظمة الغربية التي تزين للأجيال الشابة الهجرة وترك البلاد لمصيرها وتاريخها وذاكرتها القديمة، فالغرب له وهجه وسطوته، لكن الغرب الذي يدرك ذلك لا يقبل هؤلاء الشباب في مجتمعه إلا كتابع له أو كمنفذ لإرادته وسياسته التي تهدف إلى مجابهة العروبة والإسلام لتدميرهما لأنهما يشكلان خطراً عليه من كل النواحي.

إن الغرب لا يكل ولا يملّ منذ عقود ولا يتعب من محاولاته في زرع الفتن الطائفية والعرقية ونهب الثروات العربية وتشويه تاريخ الحضارة العربية وثقافتها واعتبارها مجرد ثقافة قتل وتخلف وجهل، لذلك لا يخجل ترامب من مجاهرته بهذه التوصيفات والسخرية من العرب والعروبة وهو في عقر دار العرب الذين يرقصون له ويقدمون له ثرواتهم الطائلة التي هي حق للشعب العربي وليس للغرباء والدخلاء.

مع كل ما تقدم أجد أن التاريخ العربي لم يعد مشتركاً مع ذاكرة تتشظى أيضاً وثقافة تتغرب وتمشي على ذات الطريق .. أما اللغة التي كانت الرابط الأساسي للعروبة فلن تستطيع ان تحمل أو تواجه كل هذه التشظيات والمبعثرات إلى النهاية مالم يتدارك العرب ذلك ويسعوا جاهدين للنهوض من ثباتهم وتبعيتهم مع الإصرار على صناعة تاريخ جديد يليق بماضيهم التليد.

صحفة الثورة – زاوية ( معاً على الطريق ) 20 / 10 / 2020 م