جديد 4E

في الذكرى الأولى للعدوان التركي :القصة الكاملة لمياه الشرب في الحسكة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نهر الخابور كان مصدراً غزيراً لمد السكان بمياه الشرب من المنبع حتى المصب على طول 440 كم

خليل اقطيني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبعد جفاف النهر في 2001 تحول السكان إلى بحيرة سد الحسكة الشرقي للحصول على مياه الشرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونتيجة لتراجع كمية المياه في بحيرة السد أصبح العطش مصدر تهديد للسكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السيد الرئيس يوجه بتنفيذ مشروع مائي يؤمن مياه الشرب لسكان المنطقة ويأمر بتأمين الاعتمادات المالية له بالعملة الصعبة والليرة السورية  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع عللوك في رأس العين يؤمن مياه الشرب لمليون إنسان في منطقتي الحسكة وتل تمر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أول عدوان قامت به قوات الاحتلال التركي ومرتزقتها على المنطقة هو تعطيش سكانها لمدة 35 يوماً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 قوات العدوان التركي  ومرتزقتها يقطعون المياه من مشروع عللوك 13 مرة خلال عام على احتلالهم منطقة رأس العين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهلال الأحمر في الحسكة يستنفر كل طاقاته لإنقاذ السكان من العطش بالتعاون مع المنظمات الدولية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والجهات المعنية تتخذ العديد من الإجراءات لتأمين مياه الشرب لسكان المنطقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإجراءات كانت فورية بالتوازي مع البحث عن مصادر بديلة لمياه الشرب عن مشروع عللوك

*السلطة الرابعة ــ خليل اقطيني:

*الزمان: الثالث عشر من شهر نيسان عام 2001

*المكان: محافظة الحسكة.

*الحدث: الجفاف التام والكلي لنهر الخابور.

*الوقائع: كان ياما كان منذ قديم الزمان، كان في محافظة الحسكة نهر كبير، تغنى فيه الشعراء، كالفارعة الشيبانية وغيرها، إذ تقول هاجية أخاها:

أيا شجر الخابور مالك مورقاً

ألم تجزع على ابن طريف

وكتب عنه المؤرخون والجغرافيون من كل أصقاع العالم، كابن حوقل والمقدسي والإدريسي وياقوت الحموي واوبنهايم وديورانت وغيرهم. يتشكل من العديد من العيون والينابيع في منطقة رأس العين شمال غرب الحسكة، والتي يبلغ عددها حسب كنب التاريخ والجغرافيا 360 عيناً ونبعاً كلها صافية كعين الديك، يظهر قعرها واضحاً للعيان. ولهذا يعد نهر الخابور نهر وطني بامتياز في سورية، فهو ينبع ويصب داخل أراضيها. وهو من الأنهار الدائمة الجريان، وتبلغ درجة حرارة مياهه عند السطح 21 درجة مئوية تزداد صيفاً حتى 24 درجة. ويبلغ طوله 440 كم. ويصب في نهر الفرات عند البصيرة. وكان أحد المخابر الأجنبية قد قام بإجراء تحليل لمياه الخابور في رأس العين، ووجد أنها ذات خصائص مميزة، تؤهلها للاستخدامات الطبية.

واشتهر الخابور منذ أقدم العصور عبر التاريخ، فأشارت إليه لوحات بابلية قديمة وذكرته كتب اليونان والرومان والعرب. ومعناه باللغةِ الآرامية (الأكادية) رفيق الأرض (خا = رفيق, بور= الأرض التي لم تفلح). وفي المؤلفات البابلية والآشورية اسمهُ شابوراس Chaboras، وأطلق عليه أيضاً اسم أكسينوفون. ويشرح ياقوت الحموي معنى كلمة الخابور بقوله: بعد الألف باء موحدة وآخره راء، وهو فاعول من أرض خبرة وخبراء وهو القاع الذي ينبت السدر، أو من الخبار، وهو الأرض الرخوة ذات الحجارة ، وقيل فاعول من خابرت الأرض إذا حرثتها.

نهر الخابور أيام العز

ويضم وادي الخابور العديد من المواقع والمدن والتلال الأثرية، التي تعود للعصور والحضارات التي قامت في هذه المنطقة، كحضارات الآراميين والميتانيين والحثيين والآشوريين والأموريين والكلدان وغيرهم. ويوجد على ضفاف هذا النهر أكبر عدد من المواقع والتلال الأثرية على الإطلاق مثل: تل حلف وتل مشنقة وتل تنينير وتل الدغيرات وتل دكاك وتل النهاب وتل النهاب الجنوبي وتل المصباح وتل ناقة وتل جنيدي وتل التليلات وتل الذهب وتل طابان وتل المطارية وتل الفليتي وتل جابي وتل رجائي وتل شيخ عثمان وتل البديري وتل أم قصير وتل الصور وتل رد شقرا وتل تنينير وسواها.

ومن المدن التاريخية الهامة في وادي الخابور مدينة غوزانا (تل حلف)، مدينة كحت (تل بري)، مدينة أورو / أوريما (تل محباقة)، مدينة دور كاتليمو (تل الشيخ حمد)، مدينة عرابان / شاديكانا (عجاجة) وغيرها، وتعتبر هذه المنطقة من الجزيرة السورية، من أهم مواطن الحضارات في تاريخ الإنسانية، والتي ظهرت وازدهرت على ضفاف نهر الخابور.

*موت نهر

المهندس عبد الرزاق العواك – مدير الموارد المائية في الحسكة

 ويقول مدير الموارد المائية في الحسكة المهندس عبد الرزاق العواك إن نهر الخابور كان غزيراً جداً إذ كان التصريف الوسطي له يبلغ 45 م3/ ثا. ولهذا نـُفـِّـذ عليه مشروع اروائي كبير هو مشروع ري حوض الخابور الكبير المكون من ثلاثة سدود كبيرة ومجموعة من قنوات الري. تهدف إلى ري مساحة 150 ألف هكتار بتكثيف عالٍ 200%. إلا أن الاستخدام الجائر لمياهه، والحفر المفرط للآبار الارتوازية العميقة، أدى إلى انخفاض منسوب الخابور. ومن خلال قراءة تصريف مجموع الينابيع المغذية للنهر، يظهر أن الانخفاض بدأ في مطلع الثمانينات، وأخذ هذا الانخفاض يتزايد بوتائر سريعة منذ مطلع التسعينات، حتى وصل التصريف السنوي الوسطي في عام 1998/1999 إلى 9.82 م3/ ثا وإلى 5.93 م3/ثا عام 1999/2000. واستمر الانخفاض في التصاريف حتى انعدم الجريان الحر من الينابيع كلياً، وتوقف نهر الخابور عن الجريان بتاريخ 13/4/2001 وما زال متوقفاً حتى تاريخه..!

ولسد النقص الحاصل بالمياه لإرواء المشروعات الحكومية و الخاصة في حوض الخابور، اضطرت الجهات المعنية إلى ضخ المياه من الحوامل المائية في نطاق رأس العين، إذ تم تنفيذ هذا الحل كإجراء إسعافي، من خلال تأمين المياه عن طريق الضخ من الآبار المحفورة حديثاً ( بعد عام 2000) في منطقة ينابيع رأس العين والجرجب (أحد روافد الخابور) للمشروعات الحكومية وسرير النهر. إلا أن هذا الحل انعكس سلباً على واقع المياه الجوفية التي تعاني من انخفاض مستمر من 1-3 أمتار في السنة. ‏

وقد انعكس هذا الواقع المائي السيئ سلباً على الزراعة والمجموعات السكانية التي تعتمد في ريها وشربها على مياه نهر الخابور و ينابيعه. ولم تتمكن الجهات المعنية من تأمين مصدر مائي دائم لري الحقول الزراعية وتأمين مياه الشرب للسكان، بسبب انخفاض الغزارات لينابيع رأس العين و انعدامها. الأمر الذي أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي بشكل كبير، هذا الإنتاج الذي يعد حجر الزاوية في اقتصاد محافظة الحسكة بشكل خاص وسورية بشكل عام إلى جانب النفط. وقد نتج عن ذلك تراجع كبير بمعدلات التنمية في المنطقة على مختلف الصعد، ترافق مع ارتفاع حاد بمعدلات البطالة والفقر، وازدياد الهجرة إلى العاصمة والمحافظات الداخلية طلباً للعيش.

*من النهر إلى السد

ويتابع المهندس العواك: نتيجة لانقطاع المصدر المائي المغذي لسكان المنطقة بمياه الشرب وهو نهر الخابور تم اللجوء إلى ضخ المياه من بحيرة سد الحسكة الشرقي إلى مدينة الحسكة.

سد الحسكة الشرقي

ورغم أنه كان من المقررــ حسب الدراسات الفنية ــ أن تلبي محطة الحمة لتصفية وضخ مياه الشرب من سد الحسكة الغربي حاجة سكان المنطقة المستهدفة حتى عام 2030. ولاسيما أن المحطة أنشئت بغزارة 172 ألف م3/ يوم بهدف تأمين مياه الشرب وزيادة حصة الفرد اليومية من هذه المياه لسكان مدينة الحسكة والتجمعات السكانية المحيطة بها، البالغ عددها أكثر من 60 تجمعاً، فإن ملامح أزمة في مياه الشرب في مدينة الحسكة بدأت بالظهور بعد 3 سنوات فقط من بدء استثمار المحطة في عام 2005. وذلك من خلال تناقص كمية المياه المخزنة في السد عاماً اثر آخر، ناهيك عن تغير المواصفات الفيزيائية والكيميائية لهذه المياه نحو الأسوأ، بسبب تغير مواصفات الطبقات الحاملة لهذه المياه من ناحية، والتلوث الحاصل في قناة الجر كونها مكشوفة وتمر بعدد كبير من التجمعات السكانية على مسارها من ناحية أخرى, وما ينجم عن ذلك من تلوث في المياه الواصلة إلى المصب، ما جعلها مرشحة وعلى المدى القريب لتصبح غير صالحة للشرب. الأمر الذي دفع الجهات المعنية للتفكير بشكل جدي بتأمين مصدر بديل لمياه الشرب لسكان مدينة الحسكة، كحل إسعافي سريع لهذه المشكلة, واستقر الرأي على حفر مجموعة من الآبار في منطقة الأمل الأولى في حوض رأس العين، وذلك لوفرة المياه وتجددها في هذا الحوض المائي الغزير والثابت، ولما تتمتع به تلك المياه من مواصفات فيزيائية وكيميائية جيدة، ثم يتم جرها عن طريق قساطل إلى محطة تصفية الحمة.

*السيد الرئيس يتدخل

عن هذا المشروع يقول المدير العام لمؤسسة المياه في الحسكة المهندس محمود العكلة:

المهندس محمود العكلة – المدير العام لمؤسسة مياه الحسكة

المشروع يسمى مشروع إرواء مدينة الحسكة وتل تمر والقرى المحيطة من حوض رأس العين، وبلغت كلفة تنفيذه  3 مليارات و100 مليون ل.س. وقد كان من المقرر إنجازه مطلع صيف 2012، لكن معوقات عديدة ظهرت وعرقلت تنفيذ المشروع وأخرت إنجازه إلى عام 2013 من هذه المعوقات تأخر تصديق بعض العقود في العاصمة دمشق لدى بعض الجهات الوصائية. وهذا يعني أنه كان على سكان مدينة الحسكة ربط الأحزمة وتحمل الوضع المتردي لمياه الشرب من حيث الكمية والنوعية حتى إنجاز المشروع الجديد بأي شكل كان. والواقع لم تسر الأمور كما يجب في تنفيذ هذا المشروع إلى أن تدخل السيد الرئيس بشار الأسد شخصياً ووجه بتذليل كافة الصعوبات واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنجاز المشروع خلال أسرع وقت ممكن، كما وجه بتأمين الاعتمادات المالية اللازمة للمشروع. وهذا ما حصل إذ تم تسريع تنفيذ المشروع وتنفيذ أقسامه ومكوناته بالتوازي. وتم التعاقد مع شركة صينية عن طريق المؤسسة العامة للتجارة الخارجية على توريد قساطل الفونت المرن مع الإكسسوارات اللازمة لخط الجر الرئيس، بقيمة مليار و940مليون ل.س، حيث تم تخصيص القطع الأجنبي اللازم للقطع والإكسسوارات بقيمة 38 مليون دولار أميركي. هذا الخط الذي تم تنفيذه من قبل الفرع 4 لمؤسسة الإسكان العسكرية بقيمة  425 مليون ل.س، وتضمنت الأعمال فيه 65100 م حفر و65 ألف م تمديد. ويتكون خط الجر الرئيس من الفونت المرن بقطر 1255مم تم استيراده من الصين الصديقة بطول 67كم، ويوجد 94 سكراً على طول الخط إضافة إلى غرف تفتيش وصيانة. وكذلك قام الفرع بتنفيذ خطوط تجميع آبار المشروع البالغ طولها 6كم بقيمة 165 مليون ل.س، وهي تنقل المياه من الآبار إلى محطة التجميع المكونة من خزان أرضي 50×50 متراً وارتفاع 5م بسعة تخزينية بحدود 12 ألف متر مكعب، إلى جانب صالة ضخ مقسمة إلى مجمعين، مجمع المضخات ومجمع اللوحات.

*30 بئراً غزيراً

ويتابع المهندس العكلة: وقامت الشركة العامة لكهرباء الحسكة بدراسة وتنفيذ الأبراج ومراكز التحويل الكهربائية البالغ عددها 30 مركزاً، استطاعة كل منها 100 KVA بقيمة 60 مليون ل.س. ويتضمن هذا الجزء أبراجاً ومحولات للآبار والمحطة. وقامت عدة شركات بتنفيذ محطة الضخ والتجميع قرب موقع الآبار بقيمة 103ملايين ل.س. وتقديم وتركيب التجهيزات الميكانيكية والكهربائية للمشروع بقيمة 152 مليون ل.س. و تقديم وتركيب المجموعات الغاطسة الكهربائية للآبار بقيمة 50 مليون ل.س. وكذلك هو الحال بالنسبة لبقية أقسام المشروع. الذي أصبح حقيقة واقعة وبدأت المؤسسة العامة لمياه الشرب بوضعه بالاستثمار بشكل جزئي منذ منتصف عام 2013. فقد تمت المباشرة بالضخ التجريبي من الآبار العشر الأولى في المشروع يوم الخميس الموافق 30/5/2013 ولم يلاحظ وجود أعطال. ما بشر بالخير بأن المشروع منفذ بشكل جيد. وسمي مشروع مياه عللوك لوقوعه قرب قرية بهذا الاسم تقع في منطقة الأمل المائية الأولى في حوض الخابور الكائنة في موقع عالية الشرقية على طريق رأس العين الدرباسية بين نهري الجرجب الصغير والجرجب الكبير في حوض رأس العين شمال غرب الحسكة.    

ويتكون المشروع من30 بئراً بغزارة 200م3/سا وعلى عمق 250م من الحامل المائي الثاني في منطقة رأس العين. وهو يعد من المشروعات الرائدة والكبيرة حيث تصل كلفته إلى 3 مليارات ل. س. وهذه الآبار هي جزء من مشروع جر المياه من حوض رأس العين، إلى محطتي التصفية في الحسكة وتل تمر، بهدف تأمين مصدر مائي ثابت لمدينة الحسكة وقراها وبلدة تل تمر وقراها. حيث يقوم المشروع بتغذية سكان مدينة الحسكة والقرى المحيطة بها حتى البحرة والهول شرقاً على بعد 60كم وشمالاً بحدود 30 كم وغرباً بحدود 15كم وجنوباً بحدود 20 كم بمياه الشرب. ويمتد فرع منه إلى بلدة تل تمر وقراها حتى محطة الرقبة التي تغذي 50 قرية مع البلدة. وهذا يعني أن عدد السكان الذين يستفيدون من هذا المشروع يصل إلى ما يقارب مليون نسمة. ويتكون المشروع إضافة إلى الآبار من محطة تجميع وضخ وقساطل بطول 70 كم إلى الحسكة.

*الاحتلال يقضي على المتعة

ويبين المهندس العكلة أن سكان مدينة الحسكة وضواحيها وبلدة تل تمر وقراها بقوا يتنعمون بمياه محطة عللوك ذات النوعية الجيدة، والتي تمتاز بالقساوة القليلة ما يجعلها لا تحتاج إلى أي معالجات حتى لو كانت بسيطة لأن نوعيتها تقارب كثيراً نوعية مياه بقين المعدنية المعروفة. حتى التاسع من شهر تشرين الأول 2019 يوم قامت قوات الاحتلال التركي العثماني الجديد ومرتزقتها من المجموعات الارهابية المسلحة باجتياح الحدودية في منطقتي رأس العين في محافظة الحسكة وتل أبيض في محافظة الرقة واحتلالها في عدوان سافر على الأراضي السورية. وأول ما قامت به تلك القوات ومرتزقتها كان استخدام سلاح تعطيش السكان فقامت باحتلال محطة مياه عللوك وطرد عمال المؤسسة العامة لمياه الشرب منها وتوقيف الضخ وقطع المياه عن السكان البالغ عددهم نحو مليون نسمة، في تحدٍ صارخ لشرعة حقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية. واستمر قطع المياه لمدة 35 يوماً بشكل متواصل.

وبعد ذلك بقي النظام التركي ومرتزقته يستخدمون ورقة مياه الشرب وسيلة للضغط على السكان. حيث تم قطع المياه 13 مرة اعتباراً من بدء الاحتلال التركي في التاسع من تشرين الأول 2019 حتى التاسع من شهر تشرين الأول 2020 أي حتى الذكرى السنوية الأولى لاحتلال منطقتي رأس العين وتل أبيض من قبل القوات التركية ومرتزقتها. وهذا يعني أن حكومة أردوغان الاخوانية قطعت مياه الشرب عن سكان الحسكة وضواحيها وتل تمر وقراها البالغ عددهم مليون إنسان أكثر من مرة في الشهر الواحد طيلة عام كامل. وكانت آخر مرة تم قطع المياه فيها عن هؤلاء السكان في شهر آب الماضي لمدة 15 يوماً بشكل متواصل. وهناك أحياء استمر انقطاع مياه الشرب عنها لمدة 27 يوماً بالتمام والكمال. كما عمدت قوات الاحتلال التركي ومرتزقتها إلى تخريب ممنهج لمحطة مياه عللوك وسرقة محتوياتها بما في ذلك أكبال الكهرباء.

*المواجهة

كيف واجهت الجهات المعنية العدوان التركي السافر على السكان باستخدام سلاح التعطيش؟.

يجيب عن هذا السؤال رئيس مجلس مدينة الحسكة المهندس عدنان خاجو بقوله: 

المهندس عدنان خاجو – رئيس مجلس مدينة الحسكة

لمواجهة أزمة مياه الشرب قامت الجهات المعنية في الحسكة بالعمل على عدة اتجاهات بشكل متوازٍ، فتم حفر عدة آبار سطحية داخل المدينة كما قام الأهالي بحفر العديد من هذه الآبار في الشوارع والحارات وسط المدينة وفي الأحياء التابعة لها. مياه هذه الآبار خامية لا تصلح للشرب لكنها صالحة للاستخدامات المنزلية الأمر الذي خفف من الطلب على مياه الشرب، وبالتوازي قامت الجهات المعنية بالتعاون مع المجتمع الأهلي بتزويد السكان بمياه الشرب عن طريق الصهاريج التي كانت تنقل المياه الصالحة للشرب من موقعي نفاشة وبئر الحلو الوردية (تل براك) إلى الحسكة. أما على صعيد الحلول الاستراتيجية اعتمدت الجهات المعنية عدة حلول لهذه المشكلة. أبرزها ثلاثة حلول.

الحل الأول :

إقامة محطات تحلية للمياه في المدينة ومبدئياً تقرر إقامة 4 محطات وتم رصد الاعتمادات المالية لها وهي 500 مليون ليرة.

 والحل الثاني :

إعادة تأهيل وصيانة وإصلاح المنشآت المائية ضمن مشروع جر مياه نهر الفرات إلى المنطقة هذه المنشآت التي قامت المجموعات الإرهابية المسلحة بتخريبها بشكل متعمد ونهب وسرقة محتوياتها وبالتالي حرمان السكان من مياه الشرب، في جريمة تتماهى مع جريمة الحكومة التركية ومرتزقتها.

والحل الثالث :

البحث عن مواقع بديلة عن محطة مياه عللوك لتأمين مياه الشرب للسكان.           

ويؤكد المهندس خاجو أن كل هذه الإجراءات ترافقت مع حملة إعلامية مكثفة من أجل إيصال الحقيقة إلى الرأي العام العالمي من جهة، وحث المجتمع الدولي على مواجهة العدوان التركي على سكان المنطقة الأبرياء والعزل. وهذه جريمة حقيقية يعاقب عليها القانون الدولي.

*الهلال الأحمر يبادر

علي منصور – رئيس فرع الهلال الأحمر

وقام فرع الهلال الأحمر العربي السوري بعدة مبادرات في هذا المجال، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن هذه المبادرات يقول رئيس مجلس إدارة الفرع علي منصور أنها تمت على أكثر من صعيد. من ذلك وضع 100 خزان ماء كبير سعة 5 أمتار مكعبة لكل خزان في مواقع متفرقة من المدينة والأحياء الشعبية يتم ملء هذه الخزانات مرتين في اليوم مرة في الصباح ومرة في المساء. 

ويضيف منصور أن منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وضمن ما تمليه عليها واجباتها لم تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يجري، فأصدرت بياناً تعليقاً على إيقاف محطة مياه عللوك الواقعة في ريف منطقة رأس العين شمال غرب الحسكة، وقطع المياه عن المستفيدين منها البالغ عددهم نحو مليون إنسان في منطقة الحسكة وضواحيها وبلدة تل تمر وقراها أكدت فيه: “إن الظروف الإنسانية القاسية التي يضطر أكثر من مليون مدني من أهالي محافظة الحسكة لعيشها نتيجة قطع المياه عن المحافظة، علاوةً على منع فرق الهلال الأحمر العربي السوري من الوصول الآمن لمحطة مياه عللوك لإصلاح أعطالها وتأمين وصول مياه الشرب للمدنيين أمرٌ مخالف للقانون الدولي الإنساني”.

تأمين مياه الشرب بواسطة الصهاريج

وأشار منصور إلى إن منظمة الهلال الأحمر العربي السوري وفور قطع المياه عن سكان الحسكة قامت بإعداد وتنفيذ خطة طوارئ لتأمين المياه بشكلٍ عاجل للأهالي، عبر نقل المياه بالصهاريج إلى خزانات مياه مركزية موجودة في الشوارع الرئيسية والساحات العامة في المدينة والأحياء التابعة لها، وذلك من خلال الصهاريج يومياً، بكمية تصل إلى 650 ألف لتر، حيث يتم توفير المياه من محطة بئر الحلو الوردية (تل براك) ومحطة نفاشة، لحين تشغيل محطة عللوك، وذلك بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

مبيناً أن المنظمة أعلنت عن جاهزية فرقها لمباشرة أعمال صيانة كاملة لمحطة مياه عللوك فور ضمان الوصول الآمن إليها، من خلال صيانة واستبدال المضخات الغاطسة والمضخات الأفقية، و المحولات الكهربائية التي تغذي آبار المحطة، وصيانة خطوط الكهرباء ووصلها بين الآبار ومحطة المياه، بالإضافة إلى أعمال الترميم داخل المحطة.

*اقتران القول بالفعل

وأكد منصور أن منظمة الهلال الأحمر العربي السوري ومن خلال فرعها في الحسكة أقرنت القول بالفعل. فبمجرد تمكين فرق الفرع من الوصول إلى محطة مياه عللوك باشرت على الفور بأعمال صيانة واصلاح وإعادة تأهيل شاملة للمحطة، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتتضمن الأعمال صيانة وتأهيل المزيد من الآبار من اجل إدخالها بالخدمة إلى جانب الآبار السبعة عشر العاملة حالياً ما سيزيد من كمية الضخ باتجاه المناطق المستهدفة في مدينة الحسكة وضواحيها وبلدة تل تمر وقراها. وتشمل عملية الصيانة وإعادة التأهيل إلى جانب الآبار كافة الغواطس والمضخات الأفقية والمعدات والتجهيزات الميكانيكية والكهربائية ومستلزمات العمل في المحطة. وتجري عملية الصيانة والإصلاح داخل المحطة نفسها وفي مقر المؤسسة في مدينة الحسكة.

محطة مياه عللوك

وتهدف عملية الصيانة والإصلاح هذه إلى إعادة كامل محطة مياه عللوك للخدمة ووضعها بالاستثمار بكامل طاقتها الإنتاجية في أسرع وقت ممكن، وذلك لأن المحطة تعمل حالياً بحدود 70 بالمائة من طاقتها من خلال تشغيل 17 بئراً من أصل 30 و3 مضخات فقط من أصل 10.  فقد بدا العمل في محطة مياه عللوك بدأ منذ نحو 20يوماً وتقوم الورشات الفنية التابعة لإدارة المياه وإعادة الإعمار في فرع الهلال الأحمر بنقل الغواطس من المحطة إلى مقر مؤسسة المياه في مدينة الحسكة والعمل على إصلاحها وتجريبها وتشغيلها ومن ثم إعادة نقلها من المؤسسة في الحسكة إلى محطة مياه عللوك في منطقة رأس العين. كما تشمل الأعمال صيانة وإصلاح المضخات الأفقية في المحطة البالغ عددها 12 مضخة. حيث تم نقل 5 مضخات إلى مقر المؤسسة في الحسكة ويتم إصلاحها ومن ثم إعادتها إلى المحطة للاستمرار في ضخ المياه. والواقع أن السبب الرئيس لمعظم الأعطال الحاصلة في المحطة ناتج عن أعمال النهب والتخريب التي تعرضت لها المحطة من جهة، وإلى عدم انتظام التيار الكهربائي الواصل من بلدة الدرباسية البعيدة عن محطة عللوك والتعديات الحاصلة على هذا الخط على طوله من جهة ثانية، ما يؤثر سلباً على الآبار والمضخات. وحالياً قدمت منظمة اليونسيف 30 جهازاً جديداً لتنظيم الجهد الكهربائي وحماية الآبار والتجهيزات الخاصة بها. وقد انعكست هذه الأجهزة إيجاباً على عمل الآبار وضخ المياه وحماية التجهيزات الموجودة من تقلبات التيار الكهربائي. إذ يتم حالياً ضخ 60 ألف متر مكعب من المياه وسيتم زيادتها إلى 80 ألف م مكعب. 

*الاحتلال إلى زوال

هذه القصة الكاملة لمياه الشرب في الحسكة. آثر موقع السلطة الرابعة تسليط الضوء عليها، بمناسبة مرور عام على العدوان التركي على الأراضي السورية، وذلك لأن السلاح الأقوى الذي سلطته القوات التركية ومرتزقتها على سكان المنطقة كان سلاح التعطيش والحرمان من مياه الشرب وتعريض حياة مليون إنسان للخطر. في خطوة عدوانية منافية لكل القيم الأخلاقية والدينية ولشرعة حقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية. ولا حل لهذه المشكلة إلا بزوال هذا الاحتلال وهذا ما سيتحقق بفضل سواعد الجيش العربي السوري والقوى الحليفة والرديفة وسواعد أبناء المنطقة من المقاومة الشعبية التي انطلقت شرارتها قبل أن يتم الاحتلال عامه الأول.

aqtini58@gmail.com