لماذا أصدرت سورية بيانًا شديد اللهجة حيال اتّفاقات التطبيع مع إسرائيل بعد أسابيع من توقيع الاتفاق بين الإمارات والبحرين وإسرائيل؟
كمال خلف
أثار بيان أصدرته الخارجية السورية أمس تدين فيه الاتفاقات المنفردة بين دول عربية وتحديدا خليجية وإسرائيل بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع على توقيع الاتفاق الرسمي بين الإمارات والبحرين واسرائيل وشهر على إعلان ذلك قبل التوقيع برعاية أمريكية في البيت الأبيض.
أثار البيان تساؤلات حول توقيته وتأخّر صدوره من دولة عربية تخوض صراعا شرسا مع اسرائيل منذ انشاء دولة اسرائيل على ارض فلسطين العربية عام 48 مرورا بخسارة سورية جزء من اراضيها في خضم هذا الصراع ورفضها عبر عقود مرت ابرام اي اتفاق تسوية مع اسرائيل، بل قادت جبهة عربية خلال سنوات لمواجهة المشروع الاسرائيلي ودعمت كل المقاومات العربية لاستعادة الارض المحتلة، ودفعت ثمنا باهظا بسبب هذه المواقف القومية وعنادها في مسالة التعامل مع دولة الاحتلال سواء كان ذلك بالحروب التي خاضها الجيش السوري على جبهات متعددة على حدوده ومع مصر وفي لبنان او من خلال المفاوضات التي تعاملت معها الدبلوماسية السورية بإشراف مباشر من الرئيس الراحل حافظ الاسد بحرفية وعناد وكرامة وطنية فرضها السوريون على الولايات المتحدة الدولة الاعظم والاقوى في العالم انتهت برفض سورية التوقيع. ومن ثم دفعت سورية الثمن الاكبر بعد العام 2011 بالحرب التي حاولت تمزيقها وتغيير موقعها السياسي ولم تنجز سوى إضعافها وإشغالها في اقتتالٍ فوق أرضها.
الموقف السوري رغم ضراوة ما تعرّضت له من العدو والجار القريب والأخوة في رابطة العروبة بقي كما هو في مقاربة الصراع مع إسرائيل. بيد أن اتفاق الإمارات والبحرين مع إسرائيل أتى في وقت تجابه فيه دمشق تبعات الحرب التي لم تنته بعد بالإضافة الى ازمات متلاحقة وعقوبات أمريكية وغربية قاسية اسفرت عن أزمة معيشية خانقة.
ومع هذه الظروف الصعبة في البلاد قامت الإمارات بمد يد المساعدة لسورية، وأقدمت على خطوة لم تجرؤ دول عربية كبيرة على القيام بها نظرا للتهديد الأمريكي بإعادة فتح العلاقات مع سورية وهو ما رحّبت به دمشق انطلاقا من رغبتها بإعادة وضعها السياسي إلى ما قبل الحرب وتشجيع بقية الدول على مقاومة الفيتو الأمريكي والمضي على خطى الإمارات.
وهذا كان منطلق تفسير الموقف السوري من التطبيع الاماراتي مع اسرائيل الذي اقتصر على بيان صدر عن حزب البعث يدين فيه التطبيع بكافة اشكاله ويعرب عن التمسك بالحق الفلسطيني كما ادلت المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري بشار الاسد الدكتورة بثينة شعبان بتصريح في ذات اليوم الذي اعلنت الولايات المتحدة ان اتفاقا سيوقع بين ابو ظبي و تل ابيب اشارت فيه الى رفض سورية لمسار التطبيع المجاني مع اسرائيل لأنه لن يعود باي فائدة على الدول العربية، اكتفت دمشق بالموقفين على المستوى الرسمي، رغم كم التساؤلات والتعليقات حول مستوى ووضوح الموقف السوري.
الا ان ثقل الاولويات السورية في الشمال حيث الاحتلال التركي وشرق الفرات حيث الاحتلال الامريكي ومليشيا قسد وجراح الحرب والازمات المعيشية والضغوط السياسية ومحاولات سورية لإعادة التوازن للعلاقات مع العرب كل ذلك لم يكن اسباب كافية تمنع اطلاق وسائل اعلام عربية الخيال نحو التلميح الى مفاوضات سرية بين سورية واسرائيل. ورسم سيناريوهات ووضعها في سياق معلومات عن مسار سري يجري بين تل ابيب ودمشق، وهو ما لم تقبل به سورية طوال عقود من الصراع. ولذلك جاء بيان الخارجية السورية بهذه القوة والوضوح لقطع الطريق على التأويلات و ايهام الراي العام السوري والعربي ان دمشق ماضية في طريق العلاقة مع اسرائيل. وجاء في متن البيان ما يبدد كل التشويش والضباب عن الموقف السوري.
وقالت الخارجية السورية “إن سورية تُجدّد اليوم موقفها الثابت المبني على التمسك بالأرض والحقوق، والرافض للتنازلات والاتفاقيات المنفردة مهما كان شكلها أو مضمونها وتشدد أنها كانت وستبقى ضد أي اتفاقيات أو معاهدات مع العدو الإسرائيلي انطلاقا من قناعتها الراسخة بأن مثل هذه الاتفاقيات تضر بالقضايا العربية عموما، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية”. وأضاف البيان إن التجارب السابقة أثبتت أن التطبيع والتوقيع على معاهدات واتفاقيات مع هذا العدو لم يزده إلا صلافة وتعنتاً، ولم يزد العرب إلا ضعفا وتشرذما.
وبذلك قالت دمشق بلسان مبين انها في موقعها السياسي ودورها التاريخي بالامس عندما كانت تقود الحالة القومية العربية واليوم بعد أن اثخنت بجراح الحرب والتدخلات والاستنزاف وبذلك اغلق البيان باب إيهام الرأي العام العربي أن كل الدول العربية ماضية إلى الحضن الإسرائيلي كما يكرر دونالد ترامب.
من بيروت – لصحيفة رأي اليوم – 2 تشرين الأول / أكتوبر 2020 م