جديد 4E

ذنوبٌ أكثر من أن تُغتفر .. !

أحمد هيــجر

كان هذا الرجل ظالم لنفسه ولزوجته ولمجتمعه.. ما دخل بيته يوما الا عكر صفوه.. حيث يقف لزوجته على أتفه الهفوات وأدق الزلات.. فيؤنبها ويزجرها وكثير من الأحيان يضربها..

جميع من يتعاملون معه مستاؤون من سوء معاملته وفظاظته وغلظته وقبح سلوكه..

وترى الناس يدارونه اتقاء شره وغدره..

هذا الرجل يقع اليوم في براثن المرض..

لقد أصيب بفيروس كورونا وأصبح طريح الفراش..

لأول مرة يشعر بالوحشة والوحدة

ولأول مرة يشعر بثقل أخطائه وآثامه تجثم فوق صدره تمزق قلبه وتكتم أنفاسه والحمى تسري في عروقه وقد كلله العرق وأخذ يشهق بالبكاء حتى كاد يشرق بدموعه..

كان يشعر بدنو الأجل وساعة الرحيل

في هذه اللحظات العصيبة لم يطلب الا شيئا واحدا فقط

رؤية زوجته…

وقد أرسل لها توسلاته لرؤيتها ولو من وراء اللثام ويقول :

لعلها اذا رأت حالتي ترثي لها وتعفو عن زلتي وتغفر حماقتي فان الله يستجيب دعاء الطاهرين..

فأرسلوا وراءها فحضرت ملثمة ومعها والدها

فلما وقع نظره عليها بكى وقال :

اليك أتوسل أيتها الملاك أن تصفحي عن زلتي وتغفري ذنبي أنا الخائن الغادر الكاذب..

وها أنذا مفارق هذا العالم المدنس بشروري قريبا وأطلب الى الله بهذا اللسان الدنس وهذا القلب الشقي أن ينسيك ما كابدتيه بسببي من المتاعب والعذاب راجيا لك رغد العيش وهناء البال..

أما هي فلم تجب ببنت شفة ولكنها لم تستطع أن تحبس دمعتها متأثرة من تلك العبارات كثيرا وما لبثت أن صفحت عنه وعما تحملته بسببه..

فقال له والدها :

انك يا ولدي قد فطرت قلوبنا بتوبتك وندمك وصرنا نود شفاءك من كل قلوبنا.. وأنا واثق أن ابنتي لا تريد لك الا الخير وهي تطلب الى الله أن يشفيك من هذا الداء..

فصاح وقد أنهكه العياء قائلا :

لا.. لا.. إني لا أستحق الحياة ولم يعد يحلو لي المقام في هذه الدنيا لأني دنستها بشروري ولطختها بآثامي وارتكبت فيها الخيانة والغدر..

أجل إني خائن غادر وقد كرهت حياتي الرديئة المدنسة بالشرور..

ثم التفت الى والد زوجته قائلا له :

وأنت أيها العم الجليل اصفح عن شروري فلم أحفظ الأمانة التي استودعتني اياها.. ولم أكن ذاك الصهر المثالي لكم..

واسأل كريمتكم ذلك الملاك الطاهر أن تعفو عني لما سببت لها من الشقاء بخيانتي وغدري

فكم نغصت عيشها وحاولت أذاها وهي ثابتة على ودادها واخلاصها ونقاء سريرتها..

آه.. كم أود أن ألثم حذاءها وأقبل نعلها وأستغفرها قبل موتي لأني أشعر بثقل آثامي نحوها..

آه.. إني أشعر بأثقال أعظم مما أحتمل

وها أنا ذا أرى الأبالسة قادمة لاختطاف روحي الشقية لتلقيها الى السعير..

فقال عمه :

هون عليك يا ولدي.. شفاك الله ولا أراك مكروها..وما دمت قد شعرت بخطئك فان الله سيرفع عنك هذه الشدة لأنه يقبل التائبين..

فقال الرجل :

إن ذنوبي أكثر من أن تغتفر

والموت أحب الي من الحياة ولم تعد عيناي تستحق النظر الى خيال تلك المرأة الطاهرة العفيفة الودودة الخالية من كل عيب..

قال ذلك وتوقف عن الكلام.. وقد سلم الروح الى بارئها..!!