جديد 4E

نحــنُ البــوصلة .. !

علي محمود جديد

بادر العديد من الوزراء في الحكومة الجديدة إلى فتح أبوابهم على مصراعيها لمدة ساعتين بحالها في الأسبوع أمام المواطنين لاستقبالهم والاستمتاع بالاستماع إلى شكاويهم وآرائهم بشكل مباشر ( من المنتج إلى المستهلك ) وجهاً لوجه دون أي حلقةٍ أخرى من حلقات الوساطة، وذلك كله في إطار ما يُحتسب كترجمة دقيقة وواسعة لمفهوم أنّ ( المواطن هو البوصلة ) وهو من يحتل مكانة المنتج في مثل هذا اللقاء، ولذلك فالسادة الوزراء من المفترض أنهم هنا لا يتواضعون في مثل هذا التصرف، لأنهم هم المستفيدون مما يتبوصلون ويتزوّدون به من البوصلة بالاطمئنان على صحة الاتجاهات، أو اكتشاف المنحرفة منها للإسراع إلى تسويتها .. وتكريس هذا المفهوم الراقي.

فبعض الوزراء راحوا يتفاخرون بهذا ( الإنجاز العظيم ) الذي أحدثوه في وزاراتهم، وحدّد كل واحدٍ منهم يوماً معيّناً لاستقبال ( البوصلة ) لمدة تزيد قليلاً عن 1% من وقتهم الأسبوعي .. ! واحسبوها .. فعدد ساعات الأسبوع / 168 / ساعة.

في الحقيقة لا داعي للوزير بأن يُتعب نفسه في هذه القضية من أجل ساعتين في الأسبوع، التي ربما بمفهومه يهدرها أيضاً، إذ يكاد بهذا الوقت الضئيل أن يقول للمواطن ( البوصلة ) لا حاجة لنا بك .. نحن نفهم كل شيء .. ونحن البوصلة أصلاً..!

لا شكّ بأنّ للوزير أشغاله وأعماله، وضغط في إدارة شؤون وزارته، ولكن لا شكّ أيضاً بأن السيد رئيس الجمهورية يدرك ذلك وأكثر عندما قالها غير مرّة بأنّ المواطن هو البوصلة، ونعتقد أن سيادته أراد من الوزراء في الحكومة الجديدة أن يُكرّسوا هذا المفهوم عندما ختم لقاءه معهم بعد أدائهم القسم بالقول : (التواضع أهم طريق بالنسبة لأي مسؤول من بينكم للحصول على محبة الناس وعلى دعمهم.. والتواضع لا يعني فقط أن نعيش بشكل قريب من الناس.. ولا يعني فقط ألا نستفزهم ببعض التصرفات.. ولكن أيضاً احترام الرأي.. وهذا لا يعني الذي أتفق معه فقط بل الذي لا أتفق معه أيضاً.. أحترم الرأي الذي أعتبره صحيحاً.. وكذلك الرأي الذي أعتبره خطأ من وجهة نظري.. لأن أهمية الآراء ليست بصحتها وخطئها وإنما بمجرد طرحها ونقاشها، لأن العقل هو كالعضلة لا يمكن أن ينمو من دون تمرين.. وتمرين العقل هو النقاش والحوار والتفاعل مع الناس الذي يؤدي إلى التفكير السليم.. )

لا نعتقد أن ساعتين في الأسبوع .. ولا حتى يوماً كاملاً في الأسبوع سيكون كافياً لتكريس حالة التواضع وضمان محبة الناس ودعمهم .. ولا كافياً – بسلامة عقولكم – لتمرين العقل وصولاً إلى سلامة التفكير..

صحيفة الثورة – زاوية ( على الملأ ) 20 – أيلول / سبتمبر 2020 م