السلطة الرابعة – علي محمود جديد
لم تصمد شركة ( إعمار للسيارات ) أكثر من ثلاث سنوات على تأسيسها رغم كل الآمال التي انعقدت حولها، فبعد الإعلان عن تأسيسها في أواسط العام 2017 ها هي تُسدل الستار على نفسها في أواسط العام 2020 معلنة توقف أعمالها وانتهاء آمالها.
فقد وقّعَ وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك ( مُصدّقاً ) في العاشر من آب الجاري على قرار حل شركة إعمار للسيارات وتصفيتها.
الهيئة العامة للشركة المذكورة كانت قد اتخذت قرار الحل والتصفية باجتماعها المنعقد في 19 / 2 / 2020 م وبالإجماع، وتعيين السيد ( وائل توفيق شقير ) مصفياً للشركة ليقوم بأعمال التصفية، وفقاً لأحكام قانون الشركات رقم / 29 / لعام / 2011، وإجراء كل ما يلزم لإتمام معاملة الحل والتصفية بما فيها تصفية كافة الالتزامات المترتبة للشركة أو عليها تجاه كافة الوزارات والمديريات والدوائر والجهات الرسمية المختصة أو ذات الصلة ( عامة أو خاصة ) وفي الحصول على براءة ذمة للشركة من كافة الجهات المعنية، وتمّ تفويض المُصفّي ببيع أصول الشركة وموجوداتها وعقاراتها ومنقولاتها إن وجدت، وتوزيع ما يتبقى من أموالها نقداً أو عيناً فيما بين الشركاء كل بحسب نسبة حصصه من رأسمال الشركة.
كما جرى تفويض المُصفّي بإجراء كل ما يلزم لتصفية الشركة وفكّ عمالها وموظفيها لدى كافة الجهات المختصة، وفي التوقيع عن الشركة وتمثيلها، وفي الاستلام والتسليم وسحب الأموال وقبضها وتصفية كافة التزاماتها ومستحقاتها، واسترداد الكفالات والتأمينات والودائع لدى كافة الجهات المختصة.
وتم تفويض المصفّي أيضاً بتوكيل أو تفويض الغير بمتابعة إجراءات ومعاملات التصفية لدى الدوائر الرسمية ذات الصلة.
الهيئة العامة – من جانب آخر – عيّنت السيد لطفي السلامات مدقق حسابات للشركة، ويستمر بعمله كامل مدة التصفية.
ونوّه القرار بأن المسؤولية التضامنية تلقى على المديرين والشركاء فيما يتعلق بحقوق الغير تجاه الشركة.
لماذا تبعثرت هذه الأعمال والآمال كلها ..؟!
من جهتنا لا ندري حتى الآن ما هي الأسباب الحقيقية وراء حل الشركة وتصفيتها، غير أنه نبأ مؤسف في حقيقة الأمر، لأن أي عمل يساند الاقتصاد الوطني هو بالنهاية يعود بشكل مباشر وغير مباشر لمصلحة المجتمع ككل، هذا فضلاً عن كون شركة إعمار للسيارات، أو شركة ( إعمار موتورز ) كانت تستقطب المزيد من فرص العمل، وبعض التقارير تشير إلى / 5000 / فرصة عمل مباشرة، وآلاف فرص العمل الأخرى غير المباشرة، وها هو قرار التصفية – مع الأسف – يُقرّ بفكّ عمال الشركة وموظفيها .. وهذا أمر طبيعي في مثل هذه الأحوال.
شركة إعمار للسيارات كانت إحدى الشركات المنبثقة عن شركة ( صروح الإعمار ) الناتجة عن إندماج مجموعتي حميشو الاقتصادية وأمان القابضة، وقد سبق لشركة إعمار موتورز أو إعمار للسيارات أن أعلنت في الثاني عشر من كانون الأول في عام 2017 عن إطلاق سيارات “كيا” في السوق السورية بعد تجميعها في مصنعها بمدينة حسياء الصناعية في حمص.
وقد أكد وزير الصناعة آنذاك أحمد الحمو خلال حفل أقيم مساء ذلك اليوم في فندق داماروز بدمشق بهذه المناسبة أهمية إطلاق هذا المشروع الذي بني خلال هذه الفترة والمشاريع الصناعية المثيلة مشيرا إلى أن من شأن هذه المشروعات ان يكون لها أثر إيجابي في إعادة دوران عجلة الإنتاج والنهوض بالصناعة الوطنية “لتعود المعامل الى العمل بعقول وأيدي المستثمرين والعمال الوطنيين”.
ولفت الوزير الحمو إلى تشجيع وزارة الصناعة لإقامة هذه المشروعات ما يسهم بتخفيض تكاليف استيراد المنتجات الجاهزة مثل السيارات من خلال إجراء بعض العمليات التصنيعية والتجميعية وتشغيل اليد العاملة السورية ونقل وتوطين هذه الصناعة التقنية المتطورة عبر التواصل مع الشركات العالمية الصانعة والحصول على الوثائق الرسمية التي تخول الشركات المحلية تجميع وتصنيع هذه السيارات في سورية.
وبين وزير الصناعة بتلك المناسبة أن الحكومة حريصة على دعم الصناعيين وتقديم كل التسهيلات اللازمة لعملهم بهدف استمرارهم بالعملية الإنتاجية وتسهيل أعمالهم وعودتهم للإنتاج لدعم الصناعة الوطنية.
من جهته بيّن رئيس مجلس إدارة شركة صروح الإعمار سامر الفوز أن الشركة حصلت على الموافقات والتراخيص
اللازمة أصولا للعمل وهي تسعى لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل بالوصول بالمكونات المحلية لصناعة السيارات إلى نسبة تتجاوز الـ 40 بالمئة لافتا إلى أن “صروح الإعمار” خصصت استثمارات كبيرة لهذا النشاط الذي يؤمن الكثير من فرص العمل “المباشرة وغير المباشرة” لثقة الشركة بالاقتصاد الوطني والمستقبل المزدهر للاستثمارات في سورية.
من جهته قال مدير عام شركة صروح الإعمار علاء حميشو أن شركة إعمار موتورز تشغل حاليا 5000 موظف لديها بشكل مباشر اضافة الى توفير آلاف فرص العمل غير المباشرة معتبرا أن المرحلة الاولى من صناعة السيارات تبدأ بالتجميع وتشكل ٢٥ بالمئة من عملية صناعة السيارات ككل خطة.. لكن شركة إعمار موتورز لديها خطة لتطوير هذه الصناعة محليا للوصول الى نسبة ادخال المكونات المحلية فيها الى ٤٥ بالمئة من خلال التعاقد مع شركات وطنية لتصنيع تجهيزات وقطع السيارات ما يسهم في تطوير هذه الصناعة في سورية وتوطينها.
وأشار حميشو إلى الإجراءات المتخذة من قبل شركة إعمار موتورز بما يخص الاختبارات التي تجري على منتجاتها وفق المعايير العالمية الى جانب سعي الشركة للمساهمة في سد احتياجات السوق السورية من السيارات مع وجود خطة لتسويق منتجاتها في الاسواق المجاورة.
بدوره المدير التنفيذي لشركة “كيا سورية” المهندس وائل شقير ( المكلّف بعملية الحل والتصفية حالياً ) أكد في تلك المناسبة قائلاً :
إن عودة الشركة إلى السوق السورية بعد غياب استمر سنوات جاء لتلبية متطلبات الزبائن من هذه الماركة العالمية “التي أثبتت أقوى حضور بالسوق السورية خلال العقد الماضي” مبينا أنه بفضل تعاون الجهات المعنية وإصرار إدارة الشركة و”تجاوب جيد” من الشركة المصنعة استطعنا إعادة هذه السيارات من جديد إلى السوق.
وأشار شقير إلى أن السيارات تم تجميعها محليا وبأيد سورية من قبل معمل الشركة في المنطقة الصناعية في حسياء وهو الأكبر في سورية وثالث معمل تجميع بالشرق الأوسط وهو مجهز بأحدث التقنيات العالمية التي تضاهي مثيلاتها في أكبر معامل التجميع على مستوى العالم وبطاقة إنتاجية تصل إلى 30000 سيارة سنويا.
وأوضح شقير أن الأنواع التي تم البدء بتصنيعها وهي بيكانتو- سيراتو- سورينتو والشاحنات بطرازيها كي 4000 وكي 2700 تلبي حاجات السوق المحلية وسيتم بالقريب العاجل تجميع طرازات سيارات أوبتيما – سبورتاج مشيراً إلى أن أسعار السيارات التي طرحت في السوق المحلية تتراوح بين 7 ملايين ليرة و 20 مليونا ( في تلك الأثناء من عام 2017 ) ووفق شقير فإن خط الإنتاج المتوفر قادر على تجميع كل أنواع السيارات التي يتم طرحها من الشركة الأم مبينا أن شركة إعمار موتورز تعهدت بتقديم مستوى عال لخدمات ما بعد البيع من خلال ورشاتها المنتشرة في الأراضي السورية.
ما الحكاية ..؟!
كما أشرنا لا نعرف بالضبط ما الحكاية، ولا ندري أكثر مما يعرف الكثيرون عن الارهاصات المعقدة والشكوك التي انهالت على شركات تجميع السيارات، إن كان لجهة التسعير، أم لجهة ( اكتشاف ) استنزاف تلك الشركات للقطع الأجنبي، ومشاكل الصالة والصالتين والثلاثة، وكل صالة تعني إنجاز مرحلة متقدمة من التصنيع، والتخلص قدر الإمكان من حالة التركيب وحدها، وصولاً إلى الوقف المفاجئ لإجازات الاستيراد منذ تشرين الثاني 2019 ما أضر بالمعامل التي توقفت وسبب لها خسائر كبيرة، وحتى الآن لم يصدر أي قرار بإعادة تفعيل العمل .. !
منذ فترة تداولت بعض الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، تصريحاً منسوباً إلى وزير الصناعة الحالي المهندس معن جذبة جرى فيه الحديث أن مصانع تجميع السيارات كانت تستنزف نحو / 80 / مليون دولار شهرياً من خزينة الدولة، ولكن الوزير جذبة سرعان ما نفى تصريحه لمثل هذا الكلام، ومع هذا النفي ليس من الصعب قراءة ما بين سطور التصريح من أن هناك من يعمل من أجل إفشال هذه التجربة الجديدة في تجميع السيارات، وربما صناعتها مستقبلاً.
رد الشركات على التصريح
بعد انتشار التصريح المنسوب لوزير الصناعة نفت شركات تجميع السيارات استنزافها للقطع الأجنبي عبر استيرادها لقطع السيارات، مؤكدةً أن الرقم المتداول عن استنزاف معاملهم نحو 80 مليون دولار شهرياً خاطئ ويخالف الأرقام الحكومية الرسمية، مشيرين إلى أن معاملهم متوقفة منذ نحو 9 أشهر ( حالياً 11 شهراً ) وتعاني من مشاكل عديدة وبحاجة لتعاون حكومي لحلها.
وبحسب بيان صادر عنهم، فإن الأرقام الرسمية التي أعلنت في آذار الماضي، عبر مذكرة مشتركة أعدتها “وزارة الصناعة” ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزارة المالية بيّنت أن استيراد مكونات السيارات من 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من 2019 بلغ 71.4 مليون دولار.
وأشار البيان إلى أن شركات تجميع السيارات منذ انطلاق عملها لم تأخذ أي قطع أجنبي من مصرف سورية المركزي لتمويل مستورداتها، كما أنها رفدت الخزينة بنحو 60 مليار ليرة خلال العام الماضي عبر الرسوم الجمركية ورسوم تسجيل السيارات لدى مديريات النقل.
وأضافت الشركات في بيانها، بأن الوقف المفاجئ لإجازات الاستيراد منذ تشرين الثاني 2019 أضر بالمعامل وسبب لها خسائر كبيرة، وحتى الآن لم يصدر قرار عن لجنة السياسات الحكومية بإعادة تفعيلها رغم دعم وزارة الصناعة لذلك وعقد العديد من الاجتماعات لمناقشة ذلك.
وبحسب البيان فإن الشركات متعاقدة مسبقاً مع معامل إنتاج السيارات في الصين لتجهيز المكونات حيث يتم دفع 20% عند الطلب وكامل الثمن مع بدء التنفيذ، مبيناً أن هنالك ملايين الدولارات مجمدة حالياً فيها، كما يتم دفع مبالغ بالقطع الأجنبي كأجور مرفئية لها.
وأوضح أن غالبية الشركات لديها الرغبة للانتقال لنظام الصالات الثلاثة، ولكن هذا الأمر مكلف جداً وكل معمل بحاجة لما يترواح ما بين 30 إلى 50 مليون دولار، وبالتالي ستصل كلف المعامل الثمانية لمئات ملايين الدولارات وهو مبلغ سيضغط على الليرة السورية في الظروف الحالية.
وأكدت الشركات أن الجدوى الاقتصادية للانتقال إلى التصنيع بحاجة لطاقة استيعابية تصل إلى 100 ألف سيارة وهذا غير ممكن في الظروف الحالية، أو في حال فتح الأسواق أمام الاستيراد لاحقاً، وبالتالي فالأفضل هو الانتقال التدريجي للتصنيع حسب تغير الوضع في السوق السوري.
بعد هذا كله
وبعد هذا كله وخلاله جاء قرار حلّ شركة إعمار موتورز التي كانت قد تأسست في عام 2017 برأسمال / 500 / مليون ليرة سورية .. والعمل على تصفيتها، فهل لهذا القرار علاقة بمجمل تلك المتاعب التي طوّقت صناعة تجميع السيارات، ومن ثم توقّف مصانعها بعد الإيقاف المفاجئ لإجازات الاستيراد ..؟ .. ربما .. ولكن قد تكون الأسباب في مقلبٍ آخر أيضاً .