جديد 4E

يا.. ستّ الدنيا

أحمد الحسن

بالتأكيد لا أولوية تعلو اليوم على التضامن الإنساني المحض، والمطلق، مع اللبنانيين جميعاً إثر فاجعة الرابع من آب في مرفأ بيروت، فالذين تضرورا هناك، سواء في أرواحهم، أو أجسادهم، أو ممتلكاتهم، هم أهلنا الأقربون، وما بين الأهل تضيع الـ “هم” والـ “نحن” ولا يبقى، رغم الجراح، إلا الشعور الواحد بفداحة ما حصل وخطورة نتائجه وتبعاته علينا جميعاً.

وكعادتها وضعت سورية رسمياً كل إمكانياتها لمساعدة لبنان في مواجهة هذا “الحدث الجلل” كما وصفه الرئيس الأسد في برقية التضامن الأخوية لنظيره اللبناني، فيما تتالت الدعوات الشعبية العفوية للتضامن بكافة السبل والأشكال مع الإخوة في لبنان، وتلك، للحقيقة، دعوات وجّه مضمونها الإنساني الصرف، وتجاوزها العميق، والواعي أيضاً، لجراح سورية طازجة – ليس هذا مجال تجديدها – ضربة كبرى لمشروع ضخم صُرف عليه خلال الفترة الماضية كثيراً من الوقت والجهد وسفحت في سبيله أطنان من الحبر، وجُربت فيه كل أنواع التحريض الطائفي والمذهبي و”الدولاري” لدق اسفين بين البلدين والشعبين الشقيقين.

وبالتأكيد أيضاً فإن البند الثاني في ترتيب الأولويات الآن هو للأسئلة لا الأجوبة خاصة وأن المصاب لا يزال طازجاً، والجرح لا زال نازفاً، وامتلاك الأجوبة الحقيقة يحتاج إلى تحقيق، سياسي وجنائي، شاف وواف ومهني بالدرجة الأولى.

وفي هذا السياق كان من اللافت أن بعض أصحاب المشاريع المعروفة التوجّه والاتجاه، سارعوا ومنذ اللحظة الأولى، وقبل أن تخمد نيران الفاجعة وتبرد قلوب ضحاياها، لمحاولة استغلالها سياسياً في مشاريعهم المجرمة عبر طرح أجوبة جاهزة كما في كل مرة سابقة. أجوبة تمتح من مخزون عابق بالكراهية والاستزلام لمشاريع الآخرين على حساب الوطن، أجوبة جاءت، إمعاناً في “الذئبية”، على شكل أسئلة “بريئة” تقدّم في كل عبارة من عباراتها المراد المحدّد سلفاً، وخاصة في هذه المرحلة، لتقول بالغمز والتلميح، وبعضهم علناً، أن المسؤول عن هذه الفاجعة هو القوى الوطنية اللبنانية ومن يقف معها وخلفها في المنطقة والعالم. وذلك، للحق، استغلال سياسي بشع يضمر في طياته شماتة بالمصيبة يعفّ عنها كل من يحمل صفة واحدة من صفات الإنسان العاقل السويّ.

وبالعودة إلى الأسئلة التي تطرح نفسها في هذه المرحلة، فإن أهمها يتناول المسؤولية عن الاحتفاظ بمواد شديدة الخطورة مثل هذه في مرفأ مدني ولهذه الفترة الطويلة، ومن هذا السؤال تتناسل أسئلة أخرى أولها، لماذا بقيت هذه المواد في لبنان ما دامت عابرة كما قيل سابقاً؟، وبالتالي: هل هي عابرة حقاً، أم جاءت لهدف ما مرتبط بأهداف محدّدة سواء في الداخل اللبناني أو نظيره السوري؟؟!!، خاصة وأن زمن توقيف الباخرة كان زاخراً بالوقائع الموثّقة عن نظيرات لها كشفت المعلومات الرسمية حينها أن حمولتها القاتلة كانت تستهدف سورية تحديداً. وذلك أمر يمكن الوصول إلى يقين ما فيه إذا عرفنا الجواب على أسئلة أخرى، طرحها الإعلام اللبناني ذاته، من قبيل: لماذا لم ترحَّل الحمولة لاحقاً بعد معالجة أمر الباخرة؟. من المستفيد من بقائها؟. من يدفع بدل إيجار تخزينها؟ خاصة وأن هذا البدل يدفع بالدولار الأمريكي كما يعلم الجميع.

والحال فإن هذه الأسئلة الكاشفة قد تكون أجوبتها “ثقيلة” على جهات لبنانية وإقليمية ودولية كبرى، لذلك قد لا نسمع عنها أجوبة علنية في الوقت الراهن، لكن بالنسبة لنا في سورية ورغم أن بعض هذه الأجوبة قد يحيل إلى أدوار بعض “الأشقاء” في جرحنا المفتوح، إلا أننا، وكعادتنا دائماً، لا نملك وقتاً إلا للتضامن الكامل مع الضحايا، ولا يمكننا، أخوياً وإنسانياً، إلا أن نصرخ مع شاعرنا الكبير نزار قباني: “قومي.. يا ست الدنيا.. يا بيروت”.

جريدة البعث – 5 آب 2020م